مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

{ إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله } تم اسم «إن » عند قوله { رَسُولِ الله } والمعنى يخفضون أصواتهم في مجلسه تعظيماً له { أولئك } مبتدأ خبره { الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى } وتم صلة { الذين } عند قوله { للتقوى } و { أولئك } مع خبره خبر «إن » . والمعنى أخلصها للتقوى من قولهم «امتحن الذهب وفتنة » إذا أذابه فخلص ابريزه من خبثه ونقاه ، وحقيقته عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة وعن عمر رضي الله عنه : أذهب الشهوات عنها . والامتحان افتعال من محنه وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } جملة أخرى قيل : نزلت في الشيخين رضي الله عنهما لما كان منهما من غض الصوت ، وهذه الآية بنظمها الذي رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسماً ل «إن » المؤكدة وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معاً والمبتدأ اسم الإشارة ، واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم ، وإيراد الجزاء نكرة مبهماً أمره دالة على غاية الاعتداد والارتضاء بفعل الخافضين أصواتهم ، وفيها تعريض لعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم .