غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

1

{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله } هو افتعل من المحنة وهو اختبار بليغ يقال : امتحن فلان لأمر كذا أي جرب له فوجد قوياً عليه ، أو وضع الامتحان موضع المعرفة لأن تحقق الشيء باختباره فكأنه قيل : عرف الله قلوبهم كائنة للتقوى فاللام متعلقة بالمحذوف كقولك : أنت لهذا الأمر . أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف لأجل التقوى وحصولها فيها سابقة ولاحقة { لهم مغفرة } لذنوبهم { وأجر عظيم } لطاعتهم . وفي تنكير الوعد وغير ذلك من مؤكدات الجملة تعريض بعظم ما ارتكب غيرهم واستحقاقهم أضداد ما استحق هؤلاء . يروى أنه كان إذا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد أرسل إليهم أبو بكر من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار . قال العلماء : إن النهي لا يتناول رفع الصوت الذي ليس باختيار المكلف كما مر في حديث ثابت بن قيس ، ولا الذي نيط به صلاح في حرب أو جدال معاند أو إرهاب عدوّ . ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس ابن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين : أصرخ بالناس وكان العباس أجهر الناس صوتاً . وفيه قال نابغة بني جعدة :

زجر أبي عروة السباع إذا *** أشفق أن يختلطن بالغنم

وأبو عروة كنية العباس . زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيشق مرارة السبع في جوفه .

ويروى أن غارة أتتهم يوماً فصاح العباس يا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدّة صوته .

/خ18