إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

وقولُه تعَالَى : { إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله } الخ ترغيبٌ في الانتهاءِ عمَّا نُهوا عنْهُ بعدَ الترهيبِ عنِ الإخلالِ بهِ أيْ يخفِضونَها مراعاةً للأدبِ أوْ خشيةً منْ مخالفةِ النَّهي { أولئك } إشارةٌ إِلى الموصولِ باعتبارِ اتصافِه بمَا فِي حيزِ الصلةِ ، وما فيهِ منْ مَعنى البعدِ مَعَ قُربِ العهدِ بالمشارِ إليهِ لمَا مرَّ مِراراً منْ تفخيمِ شأنِه وهُوَ مُبتدأٌ خبرُهُ { الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى } أيْ جرّبَها للتَّقوى ومرَّنَها عليهَا أو عَرفَها كائنةً للتَّقوى خالصةً لهَا فإِنَّ الامتحانَ سببُ المعرفةِ ، واللامُ صلةٌ لمحذوفٍ أَوْ للفعلِ باعبتارِ الأصلِ أوْ ضربَ قلوبَهُم بضروبِ المحنِ والتكاليفِ الشاقَّةِ لأجلِ التَّقوى فإنَّها لا تظهرُ إلا بالاصطبارِ عليَها أو أخلصَها للتَّقوى من امتحنَ الذهبَ إذَا أذابَهُ وميزَ إبريزَهُ منْ خبثِهِ . وعنْ عمرَ رضيَ الله عنْهُ أذهبَ عَنْها الشهواتِ { لَهُمْ } في الآخرةِ { مَغْفِرَةٍ } عظيمةٌ لذنوبِهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } لا يقادرُ قدرُهُ ، والجملةُ إمَّا خبرٌ آخرُ لإنَّ كالجملةِ المصدرةِ باسمِ الإشارةِ أو استئنافٌ لبيانِ جزائِهم إحماداً لحالِهم وتعريضاً بسوءِ حالِ منْ ليسَ مثلَهُم .