فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمۡتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ} (3)

ثم رغب الله سبحانه في امتثال أمره فقال :

{ إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله } إجلالا له وتعظيما ، وأصل الغض النقص من كل شيء ، ومنه نقص الصوت { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم } قال الفراء : أخلص قلوبهم { للتقوى } كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخرج جيده من رديئه ، ويسقط خبيثه ، وبه قال مقاتل ومجاهد وقتادة ، وقال الأخفش : اختصها للتقوى ، وقال الواحدي : تقدير الكلام امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى ، فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه ، وهذا الوجه أنسب لأن الكلام وارد في مدح أولئك السادة ، الكرام ، أو في التعريض بمن ليسوا على وصفهم ، ومن ثم قال في فاصلة الآية السابقة : { وأنتم لا تشعرون } وفي فاصلة اللاحقة : { أكثرهم لا يعقلون } ، وقيل : طهرها من كل قبيح ، وقيل وسعها وشرحها من محنت الأديم إذا وسعته وقال أبو عمر : وكل شيء جهدته فقد محنته ، واللام متعلقة بمحذوف أي : صالحة للتقوى ، كقولك : أنت صالح لكذا ، أو للتعليل كقولك : جئت لأداء الواجب أي : ليكون مجيئي سببا لأدائه .

{ لهم مغفرة وأجر عظيم } خبر آخر لأولئك أو مستأنفة لبيان ما أعد الله لهم في الآخرة ، وهو الظاهر .