في هذه السورة ترغيب في تزكية النفوس وتطهيرها بالإيمان والطاعة . وترهيب من خسرانها بالكفر والمعاصي . وإنذار لكفار مكة وأضرابهم ، أن يصيبهم من النكال ما أصاب ثمود حين كذبوا رسولهم ، وعقروا الناقة ، وهي آية الله على صدقه في رسالته . وقد أقسم الله تعالى فيها بكائنات عظيمة النفع والآثار في العالم العلوي والسفلي ؛ دالة بوجودها واختلاف أحوالها على كمال قدرته تعالى ووحدانيته . وأقسم بنفسه تعالى ؛ إذ كان سبحانه الموجد المبدع والمدبر لها . أو بفعله الحكيم المتقن
فقال : { والشمس وضحاها } أقسم بالشمس ، وهي من العظم والنفع للخلق بالمكان الذي لا يخفى . وبضحاها أي ضوئها ، إذا أشرقت وارتفعت .
قال مجاهد : " وضحاها " أي ضوءها وإشراقها . وهو قسم ثان . وأضاف الضحى إلى الشمس ؛ لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس . وقال قتادة : بهاؤها . السدي : حرها . وروى الضحاك عن ابن عباس : " وضحاها " قال : جعل فيها الضوء وجعلها حارة . وقال اليزيدي : هو انبساطها . وقيل : ما ظهر بها من كل مخلوق ، فيكون القسم بها وبمخلوقات الأرض كلها . حكاه الماوردي . والضحا : مؤنثة . يقال : ارتفعت الضحا ، وهي فوق الضحو{[16088]} . وقد تذكر . فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة . ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل ، نحو صرد ونغر{[16089]} . وهو ظرف غير متمكن مثل سحر . تقول : لقيته ضحا وضحا ، إذا أردت به ضحا يومك لم تنونه . وقال الفراء : الضحا هو النهار ، كقول قتادة . والمعروف عند العرب أن الضحا : النهار كله ، فذلك لدوام نور الشمس ، ومن قال : إنه نور الشمس أو حرها ، فنور الشمس لا يكون إلا مع حر الشمس . وقد استدل من قال : إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى : " ولا تضحى " [ طه : 119 ] أي لا يؤذيك الحر . وقال المبرد : أصل الضحا من الضح ، وهو نور الشمس ، والألف مقلوبة من الحاء الثانية . تقول : " ضحوة وضحوات ، وضحوات وضحا ، فالواو من ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية ، والألف في ضحا مقلوبة عن الواو . وقال أبو الهيثم : الضح : نقيض الظل ، وهو نور الشمس على وجه الأرض ، وأصله الضحا فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء ، فقلبوها ألفا .
لما أثبت في سورة البلد أن الإنسان في كبد ، وختمها بأن من حاد عن سبيله كان في أنكد النكد ، وهو النار المؤصدة ، أقسم أول هذه على أن الفاعل لذلك أولاً وآخراً هو الله سبحانه لأنه يحول بين المرء وقلبه وبين القلب ولبه ، فقال مقسماً بما يدل على تمام علمه وشمول قدرته في الآفاق علويها وسفليها ، والأنفس سعيدها وشقيها وبدأ بالعالم العلوي ، فأفاد ذلك قطعاً العلم بأنه الفاعل المختار ، وعلى العلم بوجوب ذاته وكمال صفاته ، وذلك أقصى درجات القوى النظرية ، تذكيراً بعظائم آلائه ، ليحمل على الاستغراق في شكر نعمائه ، الذي هو منتهى كمالات القوى العملية ، مع أن أول المقسم به مذكر بما ختم به آخر تلك من النار : { والشمس } أي الجامعة بين النفع والضر بالنور والحر ، كما أن العقول كذلك لا أنور منها إذا نارت ، ولا أظلم منها إذا بارت { وضحاها * } أي وضوئها الناشىء عن جرمها العظيم الشأن البديع التكوين المذكر بالنيران إذا أشرقت وقام سلطانها كإشراق أنوار العقول ، والضحى - بالضم والقصر : صدر النهار حين ارتفاعه ، وبالفتح والمد : شدة الحر بعد امتداد النهار ، وشيء ضاح - إذا ظهر للشمس والحر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.