صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

{ و كلمه ربه }أي أزال الحجاب بين موسى وبين كلامه ، فسمعه من غير واسطة بحرف وصوت ، وهو لا يشبه كلام المخلوقين .

{ قال رب ارني أنظر إليك }أي ارني ذاتك . والمراد : مكني من رؤيتك . أو تجل لي أنظر إليك وأراك .

{ قال لن تراني }أي لن تطيق رؤيتي وأنت في هذه النشأة وعلى الحالة التي أنت عليها ، وتأييد النفي باعتبارهما . وأما في النشأة الأخرى فقد ثبت في الحديث الصحيح : أن المؤمنين يرون ربهم في عرصات يوم القيامة وفي روضات الجنات ، ويدل عليه قوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة }{[169]} . وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في تفسير قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار }{[170]} . وفي الآية دلالة على إمكان الرؤية في ذاتها ، لأنه تعالى علقها على استقرار الجبل وهو ممكن ، وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه ، وإليه ذهب أهل السنة . { فإن استقر مكانه }و لم يفتته التجلي{ فسوف تراني }إذا تجليت لك{ فلما تجلى ربه للجبل }ظهر له على الوجه اللائق بجلاله ، { جعله دكا }أي مدقوقا مفتتا . والدك والدق بمعنى ، وهو تفتيت الشيء وسحقه . وفعله من باب رد . قال الآلوسي : وهو من المتشابهات التي يسلك فيها طريق التسليم ، وهو أسلم وأحكم . { وخر موسى صعقا }مغشيا عليه ، لعظم ما رأى من النور الذي حصل به التجلى . يقال : صعقتهم السماء تصعقهم تنزيها لك من مشابهة خلقك في شيء . { تبت إليك }من الإقدام على السؤال بغير إذن .


[169]:ية 22 و23 القيامة
[170]:آية 103 الأنعام