جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (143)

{ ولما جاء موسى لميقاتنا } أي : لوقتنا الذي وقتنا له { وكلّمه{[1710]} ربه } فلما سمع كلامه اشتاق لقاءه { قال رب أرني } نفسك بأن تتجلى إلي { أنظر إليك } أراك { قال لن تراني{[1711]} } في الدنيا وقد وردت أحاديث صحاح صريحة على رؤية الله تعالى في الآخرة وأجمعت الأمة على ذلك سوى المعتزلة وحسبهم من الخسران والحسرة أن عاملهم الله تعالى في الآخرة بعقيدتهم وحرمهم من نعمة لقائه كما قال جدي قدس سره { ولكن انظر إلى الجبل فإن{[1712]} استقر مكانه } ويطيق الرؤية مع أنه أعظم وأثقل جسما { فسوف تراني فلما تجلّى ربه للجبل } ظهر نور ربه وقد ورد ما تجلى إلا قدر الخنصر{[1713]} { جعله دكًّا } أي : مدكوكا كالتراب ومن قرأ دكاء فمعناه أرضا مستوية { وخرّ موسى صعِقا } سقط مغشيا عليه { فلما أفاق قال سبحانك } أنزهك مما لا يليق بك أو قال سبحانك لعظمة ما رأى { تُبت إليك{[1714]} } من مسألة الرؤية بغير إذن { وأنا أول المؤمنين } بأنه لا يراك أحد إلى يوم القيامة أو أول قومي إيمانا .


[1710]:قال الزمخشري تكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما خلقه محفوظا في الألواح انتهى. وإليه ذهب المعتزلة وهو مذهب فاسد يرده الكتاب والسنة وأين للشجر وذلك الجرم أن يقول: (إنني أنا الله) (طه: 104)، وذهب الحنابلة ومن وافقهم من أهل الحديث أن كلامه تعالى حروف وأصوات مقطعة وأنه قديم وهو الحق وقد نطق به السنة المطهرة وقال جمهور المتكلمين: إن كلامه صفة مغايرة لهذه الحروف والأصوات وأراد به الكلام النفسي ولا توجد له رائحة في السنة المطهرة وكذا ما ذكره الشيخ في التأويلات أن موسى سمع صوتا دالا على كلام الله تعالى وهو ظاهر البطلان لمخالفة نص القرآن، وقد سكت جمع من السلف والخلف عن الخوض في تأويل صفة كلام الله تعالى وقالوا: إنه متكلم بكلام قديم يليق بذاته بحرف وصوت لا يشبه كلام المخلوق ليس كمثله شيء وله المثل الأعلى/12 فتح البيان.
[1711]:فإن الأعين الدنيوية لا تطيق النظر إلى وجهه الكريم والأحاديث الصحاح في رؤية الله تبارك وتعالى لا ينكرها إلا مخانيث الحكماء أي: المعتزلة وحسبهم من الخسران أن عاملهم بعقيدتهم في الرؤية وفي الخلود في النار من مات غير تائب من الكبيرة/12 وجيز.
[1712]:فإن استقر مكانه عند تجليه سبحانه نبه على أن الجبل مع شدته وصلابته إذا لم يستقر فالآدمي مع ضعف بنيته أولى بألا يستقر وفيه تسكين لفؤاد موسى؛ بأن المانع من الانكشاف إشفاقي عليك وأما أن المانع محالية الرؤية لتجرد الرب فليس في القرآن إشارة إليه، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته مرتين وهذا من خواصه وما أطاق أحد من الأنبياء غير نبينا صلوات الله عليه وسلامه عليهم أجمعين رؤيته وهو على صورته/12 وجيز.
[1713]:كما نقله الترمذي مرفوعا عن ابن عباس/12 منه. [أخرجه الترمذي (3282) وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الترمذي) (2458) من حديث أنس رضي الله عنه].
[1714]:ما هو خلاف الأدب كمسألة الرؤية بغير إذن كالشفاعة من غير إذن فيها/12 وجيز.