قوله : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه }[ 143 ] الآية .
( ومعنى : { وكلمه ربه } ) {[25127]} ، أي : أفهمه ما شاء من كلامه الذي {[25128]} ليس ككلام المخلوقين الذي [ هو {[25129]} ] حركات اللسان {[25130]} وظهور الأصوات ، فكلامه عز وجل ليس ككلام الآدميين {[25131]} ، إذ ليس كمثله شيء ، ولا يشبهه شيء ، وعلينا أن نقف حيث انتهى بنا العلم ، ولا نكيف ونحد {[25132]} ، ونسلم الأمر لله ( عز وجل ) {[25133]} ، ونقول كما قال ، ولا نشبه ؛ لأنه ، تعالى ، قد نفى التشبيه {[25134]} [ كله {[25135]} ] بقوله : { ليس كمثله شيء } {[25136]} .
ومن لم يمد { دكا }[ 143 ] ، جعله مصدر دككته : إذ {[25137]} كسرته وفتته {[25138]} .
ومعناه {[25139]} : جعله مفتتا كالتراب {[25140]} والمدر {[25141]} . وشاهده قوله : { [ إذا ] {[25142]} دكت الارض دكا دكا {[25143]} } ، وقوله : { فدكتا دكة واحدة {[25144]} } ، فتقديره : جعله مدكوكا ، ثم أقام المصدر مقام اسم المفعول {[25145]} .
وقيل : إن قوله : { جعله دكا } ، مثل : دكه دكا ، فهو مصدر قد عمل فيه فعل من غير لفظه ، فهو محمول على المعنى {[25146]} .
ومن مد { دكا } {[25147]} ، فمعناه {[25148]} : جعله " مثل دكَّاء " {[25149]} ، ثم حذف مثل ، ( وأجراه مجرى ) {[25150]} : { وسئل القرية {[25151]} } . وهو قول الأخفش {[25152]} .
وقال قطرب المعنى : جعله أرضا دكاء ، ثم أقام الصفة مُقام الموصوف مثل : { وقولوا {[25153]} للناس حسنا {[25154]} } {[25155]} .
وقال الفراء : { دكاء } و{ دكا } مثل : " البأس " [ والبأساء {[25156]} ] ، كأنه جعله بمعنى واحد {[25157]} .
ومعنى الآية : قال الربيع في قوله تعالى : { وقربناه نجيا {[25158]} } ، حدثني بعض من لقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {[25159]} ، قال : قربه الرب تعالى إليه حتى سمع صريف القلم ، فقال عند ذلك من الشوق : { رب أرني أنظر إليك قال لن تراني } {[25160]}[ 143 ] .
قال السدي : لما كلمه ، أحب أن ينظر إليه ، فقال له : { لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني }[ 143 ] ، فحفَّ الله حول الجبل ملائكته {[25161]} ، وحف حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة ، وحف حول الملائكة بنار ، ثم تجلى ربه للجبل {[25162]} .
وقال أبو بكر الهذلي {[25163]} : تخلف {[25164]} موسى بعد الثلاثين حتى سمع كلام الله ، سبحانه {[25165]} ، اشتاق إلى {[25166]} النظر إليه فقال : { رب أرني أنظر إليك قال لن تراني } ، ( أي ) {[25167]} : ليس {[25168]} أن يطيق {[25169]} أن ينظر إلي في الدنيا ؛ فإن {[25170]} من نظر إليَّ مات ، قال : إلهي ، سمعت كلامك ، واشتقت إلى النظر إليك ، ولأن أنظر إليك ثم أموت ، أحب إليَّ من {[25171]} أن أعيش ولا أراك . قال : فانظر { إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني } {[25172]} .
قال مجاهد : يعني أنه أكبر منك ، وأشد خلقا ، فنظر موسى ، ( عليه السلام {[25173]} ) ، إلى الجبل لا يتمالك[ و ] {[25174]} أقبل يَنْدَكُّ {[25175]} على أوله . فلما رأى موسى ( عليه السلام {[25176]} ) ما يصنع الجبل ، خر صعقا {[25177]} .
وقال {[25178]} الحسن : لما كلمه ربه دخل قلب موسى صلى الله عليه وسلم {[25179]} ، من السرور من كلام الله ( عز وجل ) ، ما لم يصل إلى قلبه مثله قط . فدعت موسى ( عليه السلام {[25180]} ) ، نفسه [ إلى {[25181]} ] أن يسأل ربه ( عز وجل ) ، أن يريه نفسه ، تبارك وتعالى ولو كان عهِد إليه {[25182]} قبل ذلك أنه لا يرى ، ما سأله ذلك {[25183]} .
ويروى : أن موسى عليه السلام مكث بعد أن كلمه ربه عز وجل أربعين ليلة لا يراه [ أحد {[25184]} ] إلا مات من نور رب {[25185]} العزة .
قال وهب : كلم الله ( سبحانه {[25186]} ) ، موسى في ألف مقام ، فكان إذا كلمه الله ، ( سبحانه {[25187]} ) رئي النور على وجهه ثلاثا ، وما قرب موسى عليه السلام النساء مذ كلمه [ الله {[25188]} ] ، جل {[25189]} وعز {[25190]} .
قوله {[25191]} : { فلما تجلى/ربه للجبل }[ 143 ] .
أي : اطلع ( إلى {[25192]} ) الجبل ، { جعله دكا } ، أي مستويا بالأرض { وخر موسى صعقا } ، أي : مغشيا عليه لم يمت {[25193]} .
قال ابن عباس : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ، { {[25194]}جعله دكا } ، أي : ترابا {[25195]} .
وقال {[25196]} قتادة : { صعقا } ، [ أي {[25197]} ] : ميتا {[25198]} .
وقال سفيان : ساخ الجبل في الأرض {[25199]} ، حتى وقع في البحر {[25200]} .
وقال {[25201]} أبو بكر الهذلي : انقعر الجبل فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة {[25202]} .
وروى سفيان الثوري عن الكلبي [ أنه {[25203]} ] قال : ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر الذي تحت الأرضين السبع ، فهو يهوي إلى يوم القيامة {[25204]} .
وقال {[25205]} القتبي {[25206]} : { دكا } : ألصقه بالأرض .
يقال : " ناقة دكَّاء " : إذا لم يكن لها سنام {[25207]} .
وقيل معنى دككت : دققت . أبدل {[25208]} من القافين كافان لقرب مخرجيهما {[25209]} .
وكان الطبري يختار قراءة : ( دكاء ) بالمد {[25210]} ؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم {[25211]} ، أنه ( قال {[25212]} ) : " ساخ {[25213]} الجبل {[25214]} " ، ولم يقل : " تفتت {[25215]} " ، ولا " تحول ترابا " . وإذا ساخ وذهب ظهر وجه الأرض ظهور وجه الأرض ، فصار {[25216]} بمنزلة ( الناقة {[25217]} ) التي ذهب سنامها {[25218]} .
أي : من غشيته {[25219]} ، { قال سبحانك } ، أي : تنزيها لك ، يا رب ، أن يراك أحد في الدنيا ، ثم يعيش ، { تبت إليك } ، عن مسألتي إياك الرؤية في الدنيا {[25220]} ، { وأنا أول المومنين }[ 143 ] ، أي : أولهم أنك لا تُرى في الدنيا {[25221]} .
قال ابن عباس : مرت الملائكة بموسى وقد صعق ، فقالت : يا ابن النساء الحيَّض ، لقد سألت ربك شيئا عظيما ! فقال : { سبحانك تبت إليك } ، من سؤالي الرؤية في الدنيا ، { وأنا أول المومنين } أي أول من يؤمن ، أي : يصدق بأنه لا يراك شيء من خلقك في الدنيا {[25222]} .
قال ابن عباس : { وأنا أول المومنين } ، أي : أول من آمن بك من بني إسرائيل {[25223]} .
وقال مجاهد : وأنا أول قومي إيمانا {[25224]} .