قوله : ( أَوْ كَالذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) [ 258 ] .
قال ابن عباس وقتادة وعكرمة والربيع والسدي : " وهو عزير( {[8472]} ) " ( {[8473]} ) .
وقيل( {[8474]} ) : هو( {[8475]} ) أروميا( {[8476]} ) . وروي أن اسمه أرميا ، وهو الخضر( {[8477]} ) .
وقال مجاهد : " هو رجل من بني إسرائيل " .
وقال وهب بن( {[8478]} ) منبه : " القرية بيت المقدس . لما خرجت وحرقت ، وقف أروميا على ناحية الجبل ، فقال : أَنَّى يُحْيى/هذه الله بعد موتها( {[8479]} ) " . على معنى : التطلع( {[8480]} ) على مشاهدة قدرة الله ، لا على الإنكار لإحياء الله إياها فأراه الله ذلك . والذي خربها بخت( {[8481]} ) نصر البابلي .
وكذلك قال قتادة/وعكرمة والضحاك غير أنهم قالوا : " وقف عليها( {[8482]} ) عزير( {[8483]} ) " .
وقال ابن زيد : " هي القرية التي خرج منها ألوف حذر الموت ، فقال [ لهم ]( {[8484]} ) الله : موتوا . قال : فمر بها رجل وهي عظام تلوح ، فنظر وقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها " ( {[8485]} ) .
( وَهِيَ خَاوِيَةٌ ) . أي خالية من أهلها( {[8486]} ) .
( عَلَى عُرُوشِهَا ) . [ أي على أبنيتها ]( {[8487]} ) ، سقوفها وبيوتها( {[8488]} ) .
وسميت القرية قرية لاجتماع( {[8489]} ) الناس فيها من قولهم : " قَرَيْتُ الماء " إذا جمعته( {[8490]} ) .
وقال السدي : معنى ( خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ) : ساقطة على سقفها( {[8491]} ) .
وأصل ذلك أن تسقط السقوف ، ثم تسقط الحيطان عليها .
قال وهب بن( {[8492]} ) منبه : " أوحى الله إلى أرميا ، وهو بأرض مصر بعد أن خرب بخت نصر( {[8493]} ) بيت المقدس : أن الحق بأرض الشام ، فركب حماره( {[8494]} ) حتى كان ببعض الطريق ومعه سلة من تين وعنب ، وكان معه سقاء جديد فَمَلَأَهُ ماء ، فلما بدا شخصُ بيت المقدس وما حوله نظر إلى خراب لا يوصف ، قال : أنى يحيي هذه الله بعد( {[8495]} ) موتها ؟ ثم سار حتى تبوأ منزلاً ، فربط حماره( {[8496]} ) بحبل جديد ، وعلق سقاءه ، وألقى الله عليه السبات ، فلما نام نزع الله روحه مائة عام . فلما مرت من المائة سبعون عاماً أرسل الله مَلَكاً( {[8497]} ) إلى ملِك من( {[8498]} ) ملوك فارس عظيم ، فقال : إن الله يأمرك أن تسير بقومك فتعمر بيت المقدس إيليا وأرضها ، حتى تعود أَعْمَرَ ما كانت . فقال( {[8499]} ) له الملِك : أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب/لهذا العمل . فأنظره( {[8500]} ) ، فانتدب ثلاثة آلاف قهرمان( {[8501]} ) ، ودفع( {[8502]} ) إلى كل قهرمان ألف عامل وما يصلحه من أداة العمل ، فسار( {[8503]} ) إليها قهارمته ، فلما وقعوا في العمل ، رد الله روح الحياة في عين أرميا خاصة ، وأخر جسده ميتاً ، فنظر إلى إيليا وما حولها تعمل وتعمر وتجدد حتى صارت كما كانت بعد ثلاثين سنة تمام المائة ، فرد الله إليه( {[8504]} ) روحه ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه ؛ أي لم يتغير . ونظر إلى حماره واقفاً كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب ، أحياه الله له وهو يرى . ونظر إلى الحبل لم يتغير ، وقد أتى عليه ريح مائة عام ومطرها وشمسها وبردها ، فعندها قال له : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوماً أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة/عام " ( {[8505]} ) .
وإنما قال : يوماً أو بعض يوم( {[8506]} ) ، لأنه فيما ذكر قتادة وغيره : " أميت ضحى ، وبعث آخر النهار ، فظن أنه يومه الذي كان فيه( {[8507]} ) " .
قوله : ( فَانْظُرِاِلَى/طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرِ اِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرِ اِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِرُهَا ) [ 258 ] .
من قرأ " نُنْشِرُهَا " بالراء( {[8508]} ) ، فمعناه كيف نحييها( {[8509]} ) ، من : " أَنْشَرَ اللَّهُ المَيِّتَ : أَحْيَاهُ " ( {[8510]} ) . ومن قرأ بالزاي( {[8511]} ) ، فمعناه : كيف نرفع بعضها( {[8512]} ) إلى بعض من النَّشْزِ ، وهو المرتفع ، ومنه نشوز المرأة وهو ارتفاعها عن( {[8513]} ) موافقة زوجها . ومنه قوله( {[8514]} ) : ( وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا ) [ المجادلة : 11 ] ، أي ارتفِعوا وانْضَموا( {[8515]} ) .
قال وهب بن( {[8516]} ) منبه وغيره : " معناه : وانظر( {[8517]} ) إلى إحياء( {[8518]} ) حمارك وإلى عظامه كيف أنشرها ثم أكسوها لحماً " ( {[8519]} ) .
قال وهب : " كان ينظر إلى حماره يتصل بعضه( {[8520]} ) ببعض ، ثم كسي لحماً ثم جرى فيه الروح فقام [ ينهق . ونظر إلى عنبه ]( {[8521]} ) وتينه ، فإذا هو على هيئته( {[8522]} ) حين وضعه . فلما عاين ما عاين ، قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير( {[8523]} ) " .
قال السدي : " كانت الطير قد ذهبت بعظام الحمار إلى كل سهل وجبل فبعث الله ريحاً( {[8524]} ) ، فجاءت بها واجتمعت/وهو ينظر . فركب بعضها في بعض فصار حماراً من عظام لا لحم فيه ولا دم ، ثم كسى اللحم والدم ، ثم أقبل ملك يمشي فأخذ بمنخر الحمار فنفخ( {[8525]} ) فيه فنهق( {[8526]} ) . فقال عندما عاين( {[8527]} ) : أعلم أن الله على كل شيء قدير( {[8528]} ) " .
ومن قرأ( {[8529]} ) [ بوصل ألف " اعلم " جعل الفعل ]( {[8530]} ) لله والقول لله ، والله هو القائل له بعدما أراه من البراهين : " اعْلَمْ يا أرميا أن الله على كل شيء قدير " .
قال الضحاك : / " أول ما نفخ الله الروح ، ففي( {[8531]} ) رأسه وبصره ، وبقي جسده ميتاً( {[8532]} ) ، فرأى حماره قائماً كهيئته يوم تركه وطعامه وشرابه كهيئته( {[8533]} ) ، فقال له الله جل ذكره : ( وَانْظُرِ اِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِرُهَا )( {[8534]} ) أي عظامك ، فأراه التئام عظامه ، وكون اللحم عليها ، ونفخ الروح في باقي جسده . [ والعبرة ]( {[8535]} ) في نفسه أعظم . فلما رأى ذلك وحيي كله قال : ( أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) " ( {[8536]} ) . وكذلك قال قتادة( {[8537]} ) .
وقال ابن زيد : " أراه إحياء جسده ، والتئام عظامه وهو ينظر ، والحياة في عينيه ورأسه فقط( {[8538]} ) " .
قال ابن( {[8539]} ) زيد : " جعل الله الروح في بصره ولسانه ، فنظر إلى خلقه والتئام عظامه ، وأمره أن يدعو بلسانه إلى عظامه( {[8540]} ) وأعضائه أن تلتئم فنادى بلسانه ليلحق( {[8541]} ) كل عضو بآلِفِه( {[8542]} ) فجاء كل عظم إلى صاحبه حتى اتصلت وهو يراها ، /حتى إن الكسرة من العظم لتأتي( {[8543]} ) إلى الكسرة الأخرى فتتصل بها ، ثم شدت بالعروق والأعصاب( {[8544]} ) وهو يرى : ثم التحمت وهو يرى ، ثم كسيت بالجلد . وهو يرى ، ثم جرى [ فيها الروح ، فقال عند ذلك ]( {[8545]} ) : ( أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )( {[8546]} ) " ( {[8547]} ) . وقال الله له ذلك يأمره به . ويجوز أن يكون الأمر منه لنفسه فتستوي القراءتان . وقد قاله الطبري( {[8548]} ) .
فالعطف في قوله : ( أَوْ كَالذِي )( {[8549]} ) مردود على معنى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ) لأن معناه : هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم . فعطف على المعنى فقال : ( أَوْ كَالذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ ) ، تقديره : " أو رأيت مثل الذي مر " ( {[8550]} ) . [ و ]( {[8551]} ) العطف على المعنى كثير كما قال : ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ ) [ آل عمران : 85 ] ، ف " شهدوا " معطوف على معنى إيمانهم لا على كفرهم ، تقديره : " بعد( {[8552]} ) أن/آمنوا وشهدوا( {[8553]} ) " .
وقوله( {[8554]} ) : ( وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ ) [ 258 ] .
قال الأعمش : " جاء شاباً وولده شيوخ( {[8555]} ) " .
وقال السدي : " جاء فوجد داره قد بيعت وبَلِيت ، وهلك من كان يعرفه . فقال : اخرجوا من داري ، قالوا : من أنت ؟ قال : أنا( {[8556]} ) عزير( {[8557]} ) .
قالوا : هلك عزير( {[8558]} ) منذ كذا وكذا سنة . فأخبرهم بما جرى عليه ، فخرجوا له من الدار( {[8559]} ) " .
وروي أن عزيراً( {[8560]} ) كان ممن سباه بخت تنصر ومضى به إلى أرض بابل فرأى عزير( {[8561]} ) دير هرقل قد خرب ، ومضى عليه حين من الدهر ، فقال : كيف يحيي هذه الله بعد موتها ؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، وقد عمر الدير وذلك كله بأرض بابل .
وعلى [ أن ]( {[8562]} ) القرية بيت( {[8563]} ) المقدس أكثر أهل التفسير( {[8564]} ) .
وقوله( {[8565]} ) : ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) من أثبت الهاء في الوصل( {[8566]} ) ، فهو من سانَهْتُ فسكون الهاء عَلَم الجزم ، والهاء أصلية ، وهو أحسن . ومعناه : أنه مأخوذ( {[8567]} ) من " السَّنَة " ، أي لم تأخذه السِّنُونَ وتحله( {[8568]} ) .
ومن قرأ " يَتَسَنَّه " ( {[8569]} ) فأصله يتسنن ، من " سَنَّ المَاءَ " ( {[8570]} ) إذا تغير . فمعناه لم يتغير فأبدلوا من النون/الأخيرة ياء( {[8571]} ) ، فقالوا : يتسنى كما قالوا : " تَقَضَّيْتُ " ( {[8572]} ) في " تَقَضَّضْتُ " ، ثم حذفت الألف للجزم [ و ]( {[8573]} ) زيدت الهاء في الوقف لبيان الحركة( {[8574]} ) .
وقرأ طلحة بن مصرف : " لَمْ يَسَّنَّ " ( {[8575]} ) أدغم التاء في السين .
وقد قال بعض أهل اللغة : " لَمْ يَتَسَنَّ " من أَسِنَ الماء إذا أنتن . ويلزمهم من هذا " يَتَأَسَّنْ " ( {[8576]} ) .
وقال الشيباني( {[8577]} ) : " هو من قولهم : " حَمَأٌ مَسْنُونٌ " ( {[8578]} ) .
ومعنى " يَتَسَنَّ " : يتغير . ولا يجوز عند أبي إسحاق( {[8579]} ) أن يكون من " مَسْنُونٍ " لأن معنى " مَسْنُونٍ " ، مصبوب( {[8580]} ) . والصحيح أنه من السَّنَةِ ، فتكون الهاء أصلية/تقول( {[8581]} ) في تصغيرها : " سُنَيْهَةٌ " على قول من قال " يَتَسَنَّه " . و " سُيينةٌ " على قول من قال : " يتسن " ( {[8582]} ) .