قوله : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ ) الآية : [ 23 ] .
حرم عليكم نكاح أمهاتكم ، حرم الله تعالى في هذه الآية من النسب سبعاً ، ومن الصهر( {[11983]} ) سبعاً : فالتي من النسب : الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، والتي من الصهر : الأم من الرضاعة ، والأخت من الرضاعة( {[11984]} ) ، وأم الزوجة ، وبنت الزوجة المدخول بها ، وامرأة الابن من نسب ، أو رضاعة ، والجمع بين الأختين ، والسابعة قوله : ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ) والعمات وإن بعدن مثل العمات( {[11985]} ) وإن قربن( {[11986]} ) ، وبنات الأخ والأخت وإن بعدن مثل من قرب منهن .
واختلف في أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن إذا ماتت( {[11987]} ) البنت قبل الدخول . يروى عن علي رضي الله عنه : جواز نكاحها( {[11988]} ) وعن زيد بن ثابت مثله ، جعلها كالربيبة تحرم إذا دخل بأمها ، ولا تحرم إذا لم يدخل بالأم وإن كان عقد .
وقال جماعة من العلماء والصحابة والتابعين غير ما ذكرنا أنها تحرم ، وإن لم يدخل بالبنت ، وليس مثل الربيبة لأنها قد نص عليها أنها لا تحرم إلا بالدخول بالأم ، فنعتها بقوله : ( التِي دَخَلْتُم بِهِنَّ ) . فهو نعت للنساء اللاتي خفضن " بمن " ولا يحسن أن يكون نعتاً للنساء المخفوضات بالإضافة ، لاختلاف العاملين ، فقد أجازه الكوفيون وهو تأويل على قول علي وزيد بن ثابت إذ جعل أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالبنت . وقد بينا هذه المسائل مفردة في غير هذا الكتاب وفيما أشرنا إليه في هذا كفاية .
وكل امرأتين لو كانت إحداهما ذكراً( {[11989]} ) والأخرى ( أنثى( {[11990]} ) ) و( {[11991]} )لا يحل( {[11992]} ) أحدهما لصاحبه ، فلا يجوز الجمع بينهما ، هذا أصل جامع في تحريم الجمع بين امرأتين( {[11993]} ) ، ومعنى الدخول هنا الجماع( {[11994]} ) ، وقيل( {[11995]} ) الدخول( {[11996]} ) : هو التجرد للفعل ، وإن لم يفعل .
وقال الزهري في الرجل يلمس أو يقبل أو يباشر ينهى عن ابنتها( {[11997]} ) .
( وحلائل الأبناء ) أزواجهم ، وسميت حليلة لأنها تحل معه في فراش واحد ، وكل العلماء أجمع على أن حليلة ابن الرجل تحرم عليه بعقد ولده عليها ، وإن لم يدخل .
ومعنى قوله : ( الذِينَ مِنَ اَصْلاَبِكُمْ ) أي : الذين ولدتموهم دون الذين تبنيتموهم( {[11998]} ) ، فإما حلائل الأبناء من الرضاع فبمنزلة حلائل الأبناء من الأصلاب لأن الله تعالى قد جعل الأختين من الرضاعة كالأخت من النسب ، والأم من الرضاعة كالأم من النسب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ( {[11999]} ) ، فزوجة الابن من الرضاعة تحرم على الأب بالعقد كزوجة الابن من البنت قال عطاء : كنا نتحدث أنها نزلت في النبي صلى الله علي وسلم حين نكح امرأة زيد بن حارثة ، وقال ( كان( {[12000]} ) ) النبي صلى الله عليه وسلم تبناه ، فتكلم المشركون في ذلك فنزلت ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذِينَ مِنَ اَصْلاَبِكُمْ ) [ أي ] لا( {[12001]} ) الذين تبنيتموهم ، ونزلت ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمُ أَبْنَاءَكُمْ )( {[12002]} ) ، ونزلت ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ )( {[12003]} ) .
وإذا( {[12004]} ) اشترى الرجل الجارية فباشرها ، أو عشرها( {[12005]} ) ، أو قبل ، ولم يجامع حرمت على ابنه ، وعلى أبيه في قول مالك( {[12006]} ) ، وأكثر العلماء ، وابن الابن وإن سفل بمنزلة الابن في هذا كله والجد بمنزلة الأب وإن علا في هذا كله فاعلمه ، والوطء في النكاح الفاسد( {[12007]} ) حكمه في التحريم كحكم النكاح الصحيح يحرم ما يحرم الصحيح( {[12008]} ) ، هذا مذهب مالك( {[12009]} ) والشافعي( {[12010]} ) وسفيان ، وغيرهم من الفقهاء ، والجمع بين الأختين في النكاح حرام بالنص فأما بالملك فإن عثمان قال : أحلتهما آية( {[12011]} ) وحرمتهما أخرى أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك( {[12012]} ) .
قوله : ( وَرَبَائِبُكُمُ التِي فِي حُجُورِكُم ) كل العلماء على تحريم الربيبة التي دخل بأمها كانت في حجر الزوج أو لم تكن في حجر الزوج اتباعاً لظاهر الآية لأن الله قال : ( التِي فِي حُجُورِكُم ) أي في بيوتكم( {[12013]} ) . وسئل عمر عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل يطأ إحداهما بعد الأخرى ، فنهى عن ذلك( {[12014]} ) وحرمه . وقال علي رضي الله عنه : يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد( {[12015]} ) .
وكره ابن مسعود رضي الله عنه الجمع بينهما من ملك اليمين فقال له رجل : يقول الله : ( اَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ )( {[12016]} ) فقال له ابن مسعود : وبعيرك مما ملكت يمينك( {[12017]} ) .
وأكثر العلماء على كراهة ذلك ، ولم يحرموه( {[12018]} ) . لكن من أراد وطأ الأخرى ( فليخرج الأولى من ملكه بما يحرم على نفسه فرجها ، بعتق أو بيع أو هبة ، ويطأ الأخرى )( {[12019]} ) . هذا قول أكثر أهل العلم ، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ، وفعله ابن عمر رضي الله عنهما ، وقاله الحسن والأوزاعي( {[12020]} ) ، وقال قتادة : إذا أراد أن يطأ الأخرى اعتزل الأولى ، فإذا نفقت عدتها وطئ الثانية ، ويضمر في نفسه ألا يقرب الأولى .
وقال النخعي : إذا كانت عنده أختان فلا يقرب واحدة منهما حتى يخرج الأولى عن ملكه ، وقاله الحكم( {[12021]} ) وحماد( {[12022]} ) .
وقوله : ( اِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) أي : ما مضى في الزمن الأول فإنه كان حلالاً ، وروي أن يعقوب عليه السلام تزوج أختين أم يوسف وأم يهودا( {[12023]} ) ، وكان ذلك لجميع الأمم فيما ذكر [ فحر ]م( {[12024]} ) الله عز وجل على هذه الأمة رحمة منه لهم لما يلحق النساء من الغيرة ، فيوجب التقاطع والعداوة بين الأختين .
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ، وقال : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب( {[12025]} ) " . فإذا أرضعت المرأة غلاماً لم يتزوج شيئاً( {[12026]} ) من أولادها إلا ما ولدت قبل الرضاع لا بعده( {[12027]} ) ، وجائز أن يتزوج إخوته من أولاد المرأة إن شاءوا . وكذلك إن أرضعته جارية لم يحل لها أن تتزوج أحداً من أولادها ، ولأخواتها أن يتزوجن( {[12028]} ) أولاد المرأة المرضعة إن شاؤوا .
وكره الحسن وعكرمة أن يتزوج( {[12029]} ) الرجل ( امرأة رجل وابنته( {[12030]} ) من غير المرأة ويجمع بينهما ، وكل( {[12031]} ) الفقهاء على جوازه( {[12032]} ) .
وكره طاوس أن ينكح الرجل )( {[12033]} ) المرأة وينكح ابنه ابنتها إذا كانت ولدتها بعد وطء الأب لها ( وكل الفقهاء على جوازه ، فإن كانت ولدتها قبل وطء الأب لها )( {[12034]} ) فلم( {[12035]} ) يكرهه أحد .