الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّـٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (23)

قوله : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَاتُكُمْ ) الآية : [ 23 ] .

حرم عليكم نكاح أمهاتكم ، حرم الله تعالى في هذه الآية من النسب سبعاً ، ومن الصهر( {[11983]} ) سبعاً : فالتي من النسب : الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، والتي من الصهر : الأم من الرضاعة ، والأخت من الرضاعة( {[11984]} ) ، وأم الزوجة ، وبنت الزوجة المدخول بها ، وامرأة الابن من نسب ، أو رضاعة ، والجمع بين الأختين ، والسابعة قوله : ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ ) والعمات وإن بعدن مثل العمات( {[11985]} ) وإن قربن( {[11986]} ) ، وبنات الأخ والأخت وإن بعدن مثل من قرب منهن .

واختلف في أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن إذا ماتت( {[11987]} ) البنت قبل الدخول . يروى عن علي رضي الله عنه : جواز نكاحها( {[11988]} ) وعن زيد بن ثابت مثله ، جعلها كالربيبة تحرم إذا دخل بأمها ، ولا تحرم إذا لم يدخل بالأم وإن كان عقد .

وقال جماعة من العلماء والصحابة والتابعين غير ما ذكرنا أنها تحرم ، وإن لم يدخل بالبنت ، وليس مثل الربيبة لأنها قد نص عليها أنها لا تحرم إلا بالدخول بالأم ، فنعتها بقوله : ( التِي دَخَلْتُم بِهِنَّ ) . فهو نعت للنساء اللاتي خفضن " بمن " ولا يحسن أن يكون نعتاً للنساء المخفوضات بالإضافة ، لاختلاف العاملين ، فقد أجازه الكوفيون وهو تأويل على قول علي وزيد بن ثابت إذ جعل أم الزوجة لا تحرم إلا بالدخول بالبنت . وقد بينا هذه المسائل مفردة في غير هذا الكتاب وفيما أشرنا إليه في هذا كفاية .

وكل امرأتين لو كانت إحداهما ذكراً( {[11989]} ) والأخرى ( أنثى( {[11990]} ) ) و( {[11991]} )لا يحل( {[11992]} ) أحدهما لصاحبه ، فلا يجوز الجمع بينهما ، هذا أصل جامع في تحريم الجمع بين امرأتين( {[11993]} ) ، ومعنى الدخول هنا الجماع( {[11994]} ) ، وقيل( {[11995]} ) الدخول( {[11996]} ) : هو التجرد للفعل ، وإن لم يفعل .

وقال الزهري في الرجل يلمس أو يقبل أو يباشر ينهى عن ابنتها( {[11997]} ) .

( وحلائل الأبناء ) أزواجهم ، وسميت حليلة لأنها تحل معه في فراش واحد ، وكل العلماء أجمع على أن حليلة ابن الرجل تحرم عليه بعقد ولده عليها ، وإن لم يدخل .

ومعنى قوله : ( الذِينَ مِنَ اَصْلاَبِكُمْ ) أي : الذين ولدتموهم دون الذين تبنيتموهم( {[11998]} ) ، فإما حلائل الأبناء من الرضاع فبمنزلة حلائل الأبناء من الأصلاب لأن الله تعالى قد جعل الأختين من الرضاعة كالأخت من النسب ، والأم من الرضاعة كالأم من النسب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ( {[11999]} ) ، فزوجة الابن من الرضاعة تحرم على الأب بالعقد كزوجة الابن من البنت قال عطاء : كنا نتحدث أنها نزلت في النبي صلى الله علي وسلم حين نكح امرأة زيد بن حارثة ، وقال ( كان( {[12000]} ) ) النبي صلى الله عليه وسلم تبناه ، فتكلم المشركون في ذلك فنزلت ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذِينَ مِنَ اَصْلاَبِكُمْ ) [ أي ] لا( {[12001]} ) الذين تبنيتموهم ، ونزلت ( وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمُ أَبْنَاءَكُمْ )( {[12002]} ) ، ونزلت ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ )( {[12003]} ) .

وإذا( {[12004]} ) اشترى الرجل الجارية فباشرها ، أو عشرها( {[12005]} ) ، أو قبل ، ولم يجامع حرمت على ابنه ، وعلى أبيه في قول مالك( {[12006]} ) ، وأكثر العلماء ، وابن الابن وإن سفل بمنزلة الابن في هذا كله والجد بمنزلة الأب وإن علا في هذا كله فاعلمه ، والوطء في النكاح الفاسد( {[12007]} ) حكمه في التحريم كحكم النكاح الصحيح يحرم ما يحرم الصحيح( {[12008]} ) ، هذا مذهب مالك( {[12009]} ) والشافعي( {[12010]} ) وسفيان ، وغيرهم من الفقهاء ، والجمع بين الأختين في النكاح حرام بالنص فأما بالملك فإن عثمان قال : أحلتهما آية( {[12011]} ) وحرمتهما أخرى أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك( {[12012]} ) .

قوله : ( وَرَبَائِبُكُمُ التِي فِي حُجُورِكُم ) كل العلماء على تحريم الربيبة التي دخل بأمها كانت في حجر الزوج أو لم تكن في حجر الزوج اتباعاً لظاهر الآية لأن الله قال : ( التِي فِي حُجُورِكُم ) أي في بيوتكم( {[12013]} ) . وسئل عمر عن المرأة وابنتها من ملك اليمين هل يطأ إحداهما بعد الأخرى ، فنهى عن ذلك( {[12014]} ) وحرمه . وقال علي رضي الله عنه : يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد( {[12015]} ) .

وكره ابن مسعود رضي الله عنه الجمع بينهما من ملك اليمين فقال له رجل : يقول الله : ( اَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ )( {[12016]} ) فقال له ابن مسعود : وبعيرك مما ملكت يمينك( {[12017]} ) .

وأكثر العلماء على كراهة ذلك ، ولم يحرموه( {[12018]} ) . لكن من أراد وطأ الأخرى ( فليخرج الأولى من ملكه بما يحرم على نفسه فرجها ، بعتق أو بيع أو هبة ، ويطأ الأخرى )( {[12019]} ) . هذا قول أكثر أهل العلم ، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه ، وفعله ابن عمر رضي الله عنهما ، وقاله الحسن والأوزاعي( {[12020]} ) ، وقال قتادة : إذا أراد أن يطأ الأخرى اعتزل الأولى ، فإذا نفقت عدتها وطئ الثانية ، ويضمر في نفسه ألا يقرب الأولى .

وقال النخعي : إذا كانت عنده أختان فلا يقرب واحدة منهما حتى يخرج الأولى عن ملكه ، وقاله الحكم( {[12021]} ) وحماد( {[12022]} ) .

وقوله : ( اِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) أي : ما مضى في الزمن الأول فإنه كان حلالاً ، وروي أن يعقوب عليه السلام تزوج أختين أم يوسف وأم يهودا( {[12023]} ) ، وكان ذلك لجميع الأمم فيما ذكر [ فحر ]م( {[12024]} ) الله عز وجل على هذه الأمة رحمة منه لهم لما يلحق النساء من الغيرة ، فيوجب التقاطع والعداوة بين الأختين .

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ، وقال : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب( {[12025]} ) " . فإذا أرضعت المرأة غلاماً لم يتزوج شيئاً( {[12026]} ) من أولادها إلا ما ولدت قبل الرضاع لا بعده( {[12027]} ) ، وجائز أن يتزوج إخوته من أولاد المرأة إن شاءوا . وكذلك إن أرضعته جارية لم يحل لها أن تتزوج أحداً من أولادها ، ولأخواتها أن يتزوجن( {[12028]} ) أولاد المرأة المرضعة إن شاؤوا .

وكره الحسن وعكرمة أن يتزوج( {[12029]} ) الرجل ( امرأة رجل وابنته( {[12030]} ) من غير المرأة ويجمع بينهما ، وكل( {[12031]} ) الفقهاء على جوازه( {[12032]} ) .

وكره طاوس أن ينكح الرجل )( {[12033]} ) المرأة وينكح ابنه ابنتها إذا كانت ولدتها بعد وطء الأب لها ( وكل الفقهاء على جوازه ، فإن كانت ولدتها قبل وطء الأب لها )( {[12034]} ) فلم( {[12035]} ) يكرهه أحد .


[11983]:- (د): الظهر وهو تحريف.
[11984]:- الأم والأخت من المحرمات بالرضاع وليس بالمصاهرة وقد أخطأ مكي حين أضافهما إلى السبعة.
[11985]:- (ج) (د): العمة.
[11986]:- زيادة يقتضيها السياق.
[11987]:- (أ): متت.
[11988]:- هي رواية خلاس بن عمرو عن علي رضي الله عنه، وهي رواية لا تقوم بها حجة ولم تصح عند أهل العلم بالحديث، وهي مخالفة لما عليه إجماع العلماء. انظر: جامع البيان 4/321، وأحكام ابن العربي 1/386 والجامع للأحكام 5/106.
[11989]:- (أ) (ج): ذكر وهو خطأ.
[11990]:- ساقط من (أ) (ج).
[11991]:- ساقط من (د).
[11992]:- تحل.
[11993]:- (ج): المرأتين.
[11994]:- هو المختار عند الطبري. انظر: جامع البيان 4/322.
[11995]:- عزاه الطبري لعطاء. انظر: المصدر السابق.
[11996]:- (ج): المدخول.
[11997]:- انظر: المصدر السابق.
[11998]:- (أ) (ج): ينيتموهم.
[11999]:- خرجه مالك في الموطأ في كتاب الرضاع 447، ومسلم في كتاب الرضاع 4/162، والترمذي في أبواب الرضاع 2/307.
[12000]:- ساقط من (د).
[12001]:- ساقط من (أ).
[12002]:- الأحزاب آية 4.
[12003]:- الأحزاب آية 40.
[12004]:- (أ) (ج): وإذ.
[12005]:- كذا..... وصوابه عاشرها.
[12006]:- انظر: الموطأ كتاب النكاح 437.
[12007]:- النكاح الفاسد، يخلو من أن يكون متفقاً على فساده، أو مختلفاً فيه، وفي كل منهما يرجع الفساد إلى إسقاط شرط، أو تغيير حكم، أو زيادة. انظر: بداية المجتهد 2/59 والجامع للأحكام 5/114.
[12008]:- لأن الفروج إذا تعارض فيها التحليل والتحريم غلب التحريم. انظر: أحكام ابن العربي 1/379 والجامع للأحكام 5/114.
[12009]:- انظر: الموطأ كتاب النكاح 437.
[12010]:- الأم 5/159.
[12011]:- هي قوله تعالى: (وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمُ).
[12012]:- انظر: الجامع للأحكام 5/115 والدر المنثور 2/467.
[12013]:- انظر: الدر المنثور 2/474.
[12014]:- انظر: الموطأ 441.
[12015]:- انظر: الدر المنثور 2/476.
[12016]:- النساء آية 3.
[12017]:- انظر: الدر المنثور 2/476.
[12018]:- انظر: المدونة الكبرى 2/203.
[12019]:- ساقط من (أ).
[12020]:- انظر: الدر المنثور 2/477.
[12021]:- هو أبو محمد الحكم بن عتيبة توفي 115 هـ ثقة، ثبت في الحديث. انظر: تاريخ الثقات 24 وطبقات الفقهاء 83.
[12022]:- هو أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان الأشعري الكوفي توفي 129 هـ تابعي روى عن أنس والنخعي. انظر: طبقات ابن سعد 6/332، وطبقات الفقهاء 84.
[12023]:- (ج): يهود.
[12024]:- ساقط من (أ).
[12025]:- خرجه مالك في الموطأ: 436، والبخاري في كتاب النكاح 6/126، ومسلم في كتاب النكاح 4/135 ومثله النسائي 6/96 وغيرهم.
[12026]:- (أ): شيء وهو خطأ.
[12027]:- (أ) (ج): لا قبله وهو خطأ.
[12028]:- (د): أن يتزوجوا.
[12029]:- (د): أن ينكح.
[12030]:- (د): وابنيه.
[12031]:- (د): وكان.
[12032]:- انظر: الأم 7/163.
[12033]:- ساقط من (ج).
[12034]:- (د): لبنا.
[12035]:- ساقط من (ج).