الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (21)

قوله : ( وَإِنَ اَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ) الآية [ 20-21 ] .

نهى الله المؤمنين أن يأخذوا من أزواجهم شيئاً ، إذا أرادوا طلاقهن ليستبدلوا بهن غيرهن . والقنطار : المال الكثير وفي تحديد( {[11946]} ) عدده اختلاف قد ذكرناه في آل عمران( {[11947]} ) ، والبهتان : الباطل( {[11948]} ) .

( اَتَاخُذُونَهُ ) كله على طريق التحذير والتوبيخ ألا يؤخذ منهن( {[11949]} ) شيء ، وإن كثر ما عندهن ، وهو تحذير لمن فعله ومعنى ( اَفْضَى بَعْضُكُمُ إِلَى بَعْضٍ ) الملامسة والمباشرة أي : تلامستم وتباشرتم ، وأصل الإفضاء في اللغة : المباشرة والمخالطة( {[11950]} ) ، يقال : القوم فوضى فضا( {[11951]} ) أي : مختلطون لا أمير لهم ، فالإفضاء في هذه المواضع عند أكثر العلماء الجماع في الفرج .

( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ) : هو الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان ، وهذا قول عامة الفقهاء( {[11952]} ) . وكان عقد النكاح قديماً أن يقال للناكح : " الله عليك " أي : " لتمسك بالمعروف أو تسرح بإحسان " ( {[11953]} ) .

وقال ابن زيد : رخص عليهم بعد ذلك فقال : ( اِلاَّ [ أَنْ ] يَّخَافَا( {[11954]} ) أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )( {[11955]} ) وهذه ناسخة لتلك في قوله( {[11956]} ) . وأكثر الناس على أنها محكمة فليس له أن يأخذ منها إذا( {[11957]} ) أراد أن يستبدل بغيرها شيئاً مما أعطاها( {[11958]} ) ، وأجاز له في البقرة أن يأخذ منها إذا أرادت هي طلاقها لتفتدي منه إذا كان كارهاً للطلاق ، وليس في حكم إحدى الآيتين نفي للأخرى فكلاهما محكم( {[11959]} ) ، تلك يجوز أن يأخذ منها لأنها مريدة( {[11960]} ) للطلاق وهو كاره ، وهذه لا يجوز أن يأخذ منها لأنه هو المريد للطلاق ليستبدل غيرها( {[11961]} ) .


[11946]:- (أ): وتحديد (ج): وفي عدده.
[11947]:- تقدم بيانه صفحة 967-968.
[11948]:- أصل البهتان: الكذب الذي يواجه به الإنسان صاحبه على جهة المكابرة فيبهت المكذوب عليه أي: يتحير. انظر: مجاز القرآن 1/120، وتفسير الغريب 122 والمفردات 61.
[11949]:- (ج): منهم وهو خطأ.
[11950]:- أفضى يفضي إفضاء إلى الشيء بمعنى انتهى إليه، وعدي الفعل بمعنى إلى ليحمي بمعنى وصل، وأفضى الرجل إلى امرأته هي في الكناية أبلغ وألطف من قولهم نكحها وخلا بها. انظر: المحرر 4/65 والمفردات 8/396 واللسان فضى 15/157.
[11951]:- فوضى فضا جملة من بيت للمعدل اليشكري وهو من شعراء الحماسة توفي 80 هـ قال: طعامهم فوضى فضا في رحالهم ولا يحسنون الشر إلا تناديا انظر: معجم الشعراء 388 وشرح الحماسة 4/136.
[11952]:- انظر: جامع البيان 4/315 والجامع للأحكام 5/103.
[11953]:- يعزى لقتادة في جامع البيان 4/315 ومثله الدر المنثور 2/367.
[11954]:- ساقط من (أ) (ج).
[11955]:- البقرة آية 227.
[11956]:- انظر: المصدر السابق.
[11957]:- (أ): ما.
[11958]:- الأصل أن يقول: يستبدل بها غيرها، لأنها الباء تدخل على المبدل لا على البدل. [المدقق].
[11959]:- وهو مذهب الطبري. انظر: جامع البيان 4/317 ومثله ابن العربي في أحكامه 1/368.
[11960]:- (أ): لا مريدة.
[11961]:- (أ) ليستبد. وهنا الأصل أن يقول: ليستبدل بها غيرها. [المدقق].