قوله : ( وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ اِلاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) الآية [ 24 ] .
قال مالك في قوله ( اِلاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) : هن( {[12036]} ) السبايا ذوات الأزواج( {[12037]} ) ، أي : وطؤهن جائز لكم يعني لهن أزواج بأرض الشرك أحلهن الله لنا ، يعني بعد الاستبراء( {[12038]} ) والمحصنات هنا ذوات الأزواج وقوله ( الاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) يريد به إلا ما ملكت من ذوات الأزواج التي فرق بينهن وبين أزواجهن السباء .
قال ابن عباس : وطء كل ذات زوج زنا إلا ما سبي ، وكذلك قال ابن زيد وأبو قلابة ومكحول( {[12039]} ) والزهري( {[12040]} ) .
فالمعنى : حرمت عليكم النساء اللواتي أحصنهن الأزواج إلا ما ملكت أَيْمانكم من ذوات الأزواج السبايا فإنه حلال لكم ، ونزل ذلك في سبي ( أصاب( {[12041]} ) ) المسلمون بأوطاس( {[12042]} ) لهن أزواج فكرهوا أن يقعوا عليه ولهن أزواج ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت ( الاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) من السبايا ولهن أزواج في بلد الشرك ، وإنهنَّ حلال لكم يعني : بعد الاستبراء( {[12043]} ) ، وقال آخرون : المعنى في ( الاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) أي : وطنهن جائز لكم يعني بعد الاستبراء ، إن الله حرم نكاح المحصنات بالأزواج ، واستثنى ملك اليمين ، وهي المملوكة ، ذوات الزوج يبيعها مولاها سيكون بيعها طلاقها وتحل للمشتري( {[12044]} ) .
قال ابن عباس وأبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله : بيع المملوكة طلاقها( {[12045]} ) .
وقال أبو العالية " والمحصنات هنا العفائف التي أحصنهن عفافهن( {[12046]} ) ، ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ، ثم قال : ( والمحصنات من النساء ) أي : إنهن حرام إلا بصداق وولي وشهود ، ويجب على هذا القول نصب المحصنات لأنه عطف على مَثْنَى وما بعده( {[12047]} ) .
وقال ابن جبير وعطاء : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ) حرم الله المحصنات فوق الأربع مع تحريم القرابة المذكورة .
وقيل المعنى : ( الاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) بنكاح أو ملك ، فحرم الله ذوات الأزواج من النساء ما حرم قبله من ذوي الأرحام ، واستثنى ما ملكت اليمين بعقد نكاح صحيح أو بثمن . قال ذلك مجاهد( {[12048]} ) ، وقيل( {[12049]} ) : المحصنات : الحرائر ، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه( {[12050]} ) : إن الآية نزلت في نساء مهاجرات قدمن المدينة ، فتزوجهن بعض المسلمين ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين ، فنُهِيَ المسلمون عن نكاحهن( {[12051]} ) .
وروي أن ابن عباس كان يتوقف في تفسير هذه الآية( {[12052]} ) ، قال ابن جبير : كان ابن عباس لا يعلمها( {[12053]} ) .
وروي عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل يعني ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ) .
والإحصان : يكون بالحرية كقوله ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ )( {[12054]} ) يريد الحرائر من أهل الكتاب ويكون بالإسلام كقوله : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنَّ اَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ )( {[12055]} ) على قراءة من فتح الهمزة يريد أسلمن ، ويكون بالعفة كقوله : ( وَالذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ )( {[12056]} ) ، يريد العفائف ، ويكون بالزوج( {[12057]} ) .
والفائدة في قوله : ( مِنَ النِّسَاءِ ) أن المحصنات يقع على معنى : والأنفس المحصنات فيكون للرجال والنساء ، فبين أنه للنساء بقوله ( مِنَ النِّسَاءِ ) دليل ذلك أنه قال : ( وَالذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ) فلولا أنه يراد به الأنفس المحصنات لم يحد من قذف رجلاً بالنص على ما ذكرنا .
قوله ( كِتَابَ اللَّهَ عَلَيْكُمْ ) " نصب : كتاب ( الله )( {[12058]} ) عليكم " ( {[12059]} ) : المصدر( {[12060]} ) عند سيبويه( {[12061]} ) ، لأنه لما قال ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ) على أنه كتب ذلك ، فالمعنى كتب الله عليكم ذلك كتاباً ، وقيل نصبه على الإغراء أي : ألزموا كتاب الله ، وهذا قول ضعيف مردود ، وهو قول الكوفيين لأن عليكم هو الذي يقوم مقام الفعل في الإغراء ، وهو لا ينصرف ولا يجوز تقديم المفعول عليه عند أحد ، لا يجوز زيد عليك( {[12062]} ) ، ونصبه عند بعض الكوفيين على الحال كأنه قال : كتاب الله عليكم( {[12063]} ) .
ومعنى ( كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) قال عطاء والنخعي هو الأربع لا يزيد عليهن ، وقاله السدي( {[12064]} ) ، وقال ابن زيد : معناه أمر الله عليكم ، يريد ما حرم الله من هؤلاء وما أحل لهم ، وقرأ ( وَأَحَلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمُ ) الآية( {[12065]} ) .
ومن فتح الهمزة ، فلقرب اسم الله تعالى من الفعل ، فأسنده إليه ، فتقديره كتاب الله ذلك عليكم ، وأحل لكم . ومن ضم فإنه أجراه على أول الآية ، لأنه جرى على ترك تسمية الفاعل وهو قوله ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ) فأجرى التحليل على لفظ التحريم لتسابق الألفاظ ولئلا تختلف( {[12066]} ) ، فكأنه حرم عليكم كذا وأحل لكم كذا( {[12067]} ) ، ومعنى ( مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمُ ) ما دون الخمس ( أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم ) ، على وجه النكاح ، وقال السدي : ما دون الأربع( {[12068]} ) وقال عطاء : ( مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمُ ) ما وراء القرابة التي قد حرمت عليكم أن تبتغوا بأموالكم : المحصنات من الحرائر الأربع والمماليك( {[12069]} ) .
وقال قتادة ( مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمُ ) ؛ ما ملكت يمينكم " ( {[12070]} ) .
وقال الطبري( {[12071]} ) : بين الله لنا المحرمات بالنسب والصهر ، ثم أخبرنا أنه قد أحل لنا ما وراء هؤلاء المحرمات( {[12072]} ) في هاتين الآيتين بأن نبتغيهما بأموالنا نكاحاً ، وملك يمين لا سفاحاً ، وقد أعلمنا أن ما زاد على أربع حرام ، وما كان من الإماء ذوات الأزواج حرام ما لم ينتقل الملك .
قوله : ( مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) معناه : أعفَّاء غير مزانين( {[12073]} ) والسفاح : الزنا( {[12074]} ) ، والإحصان هنا العفاف ، وقال مجاهد : محصنين متناكحين( {[12075]} ) .
قوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً : يقول : فالشيء الذي استمتعتم به من النساء فأعطوهنّ أجورهنّ أي صدقاتهم فريضة معلومة ، وقال ابن عباس : معناها إذا نكح الرجل المرأة مرة واحدة فقد وجب الصداق( {[12076]} ) ، فالمعنى فأي شيء استمتعتم به ، وإن قلّ فآتوهنّ أجورهن أي صدقاتهنّ والاستمتاع النكاح ، وقاله : الحسن ومجاهد( {[12077]} ) .
وقال السدي : وغير الاستمتاع هنا أن يتزوّجها إلى أجلٍ مسمّى بإذن وليّها ، ويشهد شاهدين ، فإذا تمّ الأجل أمر أن يدفع إليها ما شرط لها ، وليس له عليها سبيل وتعتد ، ولا ميراث بينهما( {[12078]} ) . وسئل ابن عباس عن متعة النساء فقال : أما تقرؤون فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فقيل له لو قرأناها هكذا لكان الأمر على ذلك . فقال : فإنها كذلك( {[12079]} ) .
وفي قراءة( {[12080]} ) أبي زيادة : إلى أجل مسمى( {[12081]} ) ، وكذلك ابن جبير( {[12082]} ) .
وقالت عائشة رضي الله عنها كانت المتعة حلالاً ، ثم نسخ الله ذلك بالقرآن ، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول ابن المسيب والقاسم وسالم( {[12083]} ) وعروة . قال ابن عباس : نسخها ( يَأَيُّهَا النَّبِيءُ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ( {[12084]} ) )( {[12085]} ) .
وقال ابن المسيب : نسخت المتعة بآية الميراث يعني : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمُ )( {[12086]} ) لأن المتعة كانت لا ميراث بها( {[12087]} ) .
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت حرم الله المتعة بقوله ( وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمُ أَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُهُمْ( {[12088]} ) )( {[12089]} ) . وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة إلى أجل معلوم ، وشرط ( ألا ) طلاق( {[12090]} ) بينهما ، ولا ميراث ولا عدة( {[12091]} ) .
[ وقال أبو عبيدة : نسخت المتعة بالقرآن والسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة( {[12092]} ) يوم الفتح وغيره( {[12093]} ) .
ومن قال : إن المعنى إذا تزوجتم المرأة ، فنكحتموها ولو مرة واحدة( {[12094]} ) ] فأعطوها صداقها ، فهي عنده محكمة لا نسخ فيها ، والتقدير : فما استمعتم به من الدخول بالمرأة فلها الصداق كاملاً فأعطوها إياه ، ودل على ذلك قوله ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) أي : إن وهبت لك النصف ، أو ما كان فلا جناح ، وإن وهبت لها النصف ، فأعطيتها الكل ، ولم تدخل بها فلا جناح( {[12095]} ) .
وقيل : المعنى : إن أدركتم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهن ( وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ( {[12096]} ) )( {[12097]} ) .
وقيل المعنى : لا جناح عليكم إذا تم الأجل الذي اشترطتم في الاستماع أن يزدنكم في الأجل ، وتزيدهن في الأجر قبل أن يستبرئن أرحامهن( {[12098]} ) ، وهو منسوخ . وقال السدي : إن شاء أرضاها بعد الفريضة بأجرة ، ثم تقيم معه إلى الوقت الذي يتراضون أيضاً عليه( {[12099]} ) ، وهو منسوخ . وقيل : المعنى : لا جناح عليكم فيما وضعه نساؤكم عنكم من صدقاتهن بعد الفريضة( {[12100]} ) .
قال ابن زيد : إن وضعت لكم من صداقها فهو سائغ فالمعنى على هذا لا إثم على الرجل أن تضع المرأة عليه مهرها ، أو يهب الرجل للمرأة التي لم يدخل بها نصف الصداق ، فيدفعه إليها كاملاً( {[12101]} ) .
قال الأخفش ( الاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ ) تمام( {[12102]} ) .
وقال غيره ( كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) التمام( {[12103]} ) ، وهو أحسن لأن العامل فيه ما قبله من المعنى الذي دل عليه كتاب( {[12104]} ) ، وإنما يصح قول الأخفش إذا نصبت ( كِتَابَ اللَّهِ ) على الإغراء ، وهو بعيد( {[12105]} ) .