الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَا جَعَلۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلَّا مَلَـٰٓئِكَةٗۖ وَمَا جَعَلۡنَا عِدَّتَهُمۡ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسۡتَيۡقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَيَزۡدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِيمَٰنٗا وَلَا يَرۡتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكۡرَىٰ لِلۡبَشَرِ} (31)

أي لم نجعل أصحاب النار رجالا مثلكم فتطمعوا {[71515]} بالتغلب عليهم كما قال أبو جهل لقريش : أفلا {[71516]} يستطيع كل عشرة منكم أن يغلبوا منهم واحدا ؟ ! {[71517]} . فإذا كانت الخزنة ملائكة ، فمن ذا يطيق الملائكة ؟ ! {[71518]} .

- ثم قال : ( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا )

أي : لم نجعلهم {[71519]} تسعة عشر فقط لقلة الملائكة ؛ ولكن جعلناهم {[71520]} كذلك ليتفتتن الذين كفروا ويستقلوا عدتهم ويحدثوا أنفسهم بالتغلي على الخزنة حتى قال [ أبو الأشد الجمحي ] {[71521]} : أنا [ أجهضهم ] {[71522]} [ عن ] {[71523]} النار {[71524]} . وقيل : إن كلدة بن أسيد بن خلف قال : أنا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني اثنين {[71525]} .

- ثم قال تعالى : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب )

أي : فعلنا {[71526]} ذلك فيفتتن الذين كفروا [ وليتيقن ] {[71527]} الذين أوتوا التوراة والإنجيل حقيقة ما في كتبهم من الخبر عن عدة خزنة جهنم ، لأنه كذلك عدتهم في التوراة ( والإنجيل ) {[71528]} . هذا معنى قول ابن عباس {[71529]} وغيره . وهو قول مجاهد {[71530]} .

قال {[71531]} قتادة : يصدّق {[71532]} القرآن الكتب التي كانت فبله ، فيها كلها خزنة النار تسعة عشر {[71533]} . وهو قول الضحاك {[71534]} . وقال ابن زيد : ( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب . . . )

" أنك رسول الله " {[71535]} .

- ثم قال تعالى : ( ويزداد الذين ءامنوا إيمانا . . . ) .

أي : تصديقا إلى تصديقهم بعدة خزنة جهنم {[71536]} .

- ثم قال : ( ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمومنون . . . ) .

أي : ولا {[71537]} يشك أهل الكتاب [ و ] {[71538]} المؤمنون في حقيقة ذلك {[71539]} .

- ثم قال : ( وليقول الذين في قلوبهم مرض . . )

أي : نفاق {[71540]} .

( والكافرين {[71541]} . . . )

يعني مشركي قريش {[71542]} .

- ( ماذا أراد الله بهذا مثلا )

أي ماذا أراد الله بهذا حين يخوفنا {[71543]} بهؤلاء التسعة عشر .

- قال الله : ( كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء )

- أي : كما أضل {[71544]} هؤلاء المنافقين والمشركين القائلين : أي شيء أراد الله بهذا مثلا ؟ ! كذلك يضل الله من يشاء ] {[71545]} من خلقه فيخذله عن إصابة الحق ، و يهدي من يشاء فيوفقه للحق .

- ثم قال تعالى : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو . . . )

أي : لا يعلم ( مقدار ) {[71546]} كثرة جنود ربك يا محمد إلا ربك {[71547]} . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " إن لله ملائكة ترعد فرائصهم مخافة منه ، وإن منهم من لا تقطر {[71548]} من عينيه {[71549]} دمعة إلا وقت ملكا يسبح ، وملائكة سجود منذ خلق الله السماوات لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة ، ومنهم [ ملائكة ] {[71550]} وقوف لم ينصرفوا ولا ينصرفون إلى يوم القيامة . فإذا كان يوم القيامة ، تجلى لهم ربهم-جل ذكره- فقالوا : سبحانك ! ما عبدناك حق عبادتك ! " {[71551]} .

وقال كعب : إن لله عز وجل ملائكة من يوم خلقهم قياما ، [ ما ] {[71552]} ثنوا أصلابهم ، وآخرين ركوعا {[71553]} ، ما رفعوا أصلابهم {[71554]} ، وآخرين [ سجودا ] {[71555]} ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة فيقولون جميعا : سبحانك ! ما عبدناك كما ينبغي أن تعبد . ثم قال كعب : والله ، لو أن رجلا عمَل عمَل سبعين نبيا ، [ لاستقَل ] {[71556]} عمله يوم القيامة من شدة ما يرى يومئذ . والله لو دلي من [ غسلين ] {[71557]} دلو واحد من مطلع الشمس ، لغلتنه جماجم قوم في مغربها . والله ، [ لتزفرن ] {[71558]} جهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب إلا خر جاثيا على ركبتيه .

وروى ابن المبارك {[71559]} حديثا-رفعه- أن ملكا سجد لما استوى الرب [ تعالى ] {[71560]} على عرشه ، فلم يرفع رأسه [ و ] {[71561]} لا يرفعه إلى يوم القيامة ، فيقول يوم القيامة : لم أعبدك حق عبادتك ، إلا أني لم أشرك بك شيئا ، ولم أتخذ من دونك وليا {[71562]} .

وقد وصفهم الله في كتابه فقال {[71563]} : ( يسبحون الليل النهار لا يفترون ) {[71564]} .

قال كعب : التسبيح للملائكة بمنزلة بمنزلة النفس لبني آدم ، ألهموا التسبيح كما ألهمتهم الطرف والنفس {[71565]} .

- ثم قال تعالى : ( وما هي إلا ذكرى للبشر )

يعني النار {[71566]} التي وصفها . يقول : ليس ما وصفتها به من تغييرها للبشر وعدة خزنتها إلا عظة {[71567]} وعبرة للناس يتعظون بها .


[71515]:- أ: فتطمعوا.
[71516]:- أ: ألا.
[71517]:- انظر تفسير الماوردي 4/350 والقرطبي 19/80.
[71518]:- انظر جامع البيان 29/160.
[71519]:- ث: تجعلهم.
[71520]:- أ: جعلتهم.
[71521]:- م: أبو الاشد بن الجمجم، وقد اختلف في هذا الاسم كثيرا. وما أثبت في المتن جاء في رواية السدي كما ذكرها الماوردي في تفسيره: 4/350. وأقرب الروايات إليها ما جاء في جامع البيان: 29/160 والدر: 8/333 عن مجاهد أنه أبو الأشدين بن الجمحي مع التنبيه على أن هناك اختلافا بين طبعة دار الفكر لسنة 1398ﻫ و1978م وطبعة نفس الدار لسنة 1405ﻫ-1984م. وقد ورد في هذه الأخيرة هكذا "أبو الأشد بن الجمحي وقد ذهب ابن كثير في تفسيره 4/474 إلى أن كَلَدَةَ الذي ذكره مكي بعد ذلك هو اسم أبي الأشدين. ويشهد لذلك ما جاء في البحر 8/375 وروح المعاني: 29/157 أنه أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي. وأيضا ما جاء في تفسير الخازن: 7/147 أنه أبو الأشد بن أسيد بن كَلدَة بن خلف الجمحي. وقيل غير هذا. انظر المعالم 7/147 وزاد المسير: 8/408، وتفسير القرطبي: 19/80. 81.
[71522]:- م: أجهنمم، أ: أجهظهم.
[71523]:- م، ث: على.
[71524]:- جامع البيان: 29/160 من رواية مجاهد.
[71525]:- روح المعاني: 29/157 من رواية ابن عباس.
[71526]:- ث، أ: فعلت.
[71527]:- م: وليفتتن.
[71528]:- ساقط من أ، ث.
[71529]:- انظر جامع البيان: 29/161.
[71530]:- انظر جامع البيان: 29/161.
[71531]:- أ، ث: وقال.
[71532]:- ث: يهدو.
[71533]:- انظر جامع البيان: 29/161 والدر: 8/334.
[71534]:- انظر جامع البيان: 29/161 والدر: 8/334.
[71535]:- انظر جامع البيان: 29/161.
[71536]:- انظر جامع البيان: 29/161.
[71537]:- أ: أي لا.
[71538]:- ساقط من م.
[71539]:- هو قول قتادة في جامع البيان: 29/161.
[71540]:- هو قول قتادة في جامع البيان: 29/161.
[71541]:- أ: ث: أي والكافرون.
[71542]:- انظر جامع البيان: 29/161.
[71543]:- أ: تخوفنا.
[71544]:- أ: ضل. والتصويب من جامع البيان 29/161.
[71545]:- ما بين معقوفتين [ويهدي – من يشاء] ساقط من م.
[71546]:- ساقط من أ.
[71547]:- انظر جامع البيان 29/162.
[71548]:- أ: يقطر.
[71549]:- أ: عينه.
[71550]:- ساقط من م.
[71551]:- الحديث أخرجه الإمام محمد بن نصر. انظر تفسير ابن كثير 4/475 وفي مجمع الزوائد 10/361 من رواية الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كفّ إلا وفيه ملك قائم وملك راكع وملك ساجد، فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعا: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك إلا أنّا لم نشرك بك شيئا".
[71552]:- ساقط من ث، أ.
[71553]:- أ: ركوع.
[71554]:- ث: ما رفعوا رؤوسهم أصلابهم.
[71555]:- م، أ: سجود.
[71556]:- م: لا يستقل. والكلام يعني أن الرجل بتلك الصفة يرى عمله يومئذ قليلا، لا يظن معه أنه سينجو !
[71557]:-م: غسان.
[71558]:- م: لتزفون.
[71559]:- هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام في الحديث، روى عن حُمَيد الطويل وعنه فضيل بن عياض، وكان متعبدا شجاعا (ت: 181ﻫ) انظر: صفة الصفوة: 4/134 وتهذيب الأسماء: 1/285 وطبقات الحفاظ: 117.
[71560]:- زيادة من أ تليق بالمقام.
[71561]:- ساقط من م.
[71562]:- لم أقف على هذا الحديث.
[71563]:- ث، أ: فيقول.
[71564]:- الأنبياء: 20.
[71565]:- الحبائك: 147 بنحوه.
[71566]:- انظر جامع البيان: 29/162 وإعراب النحاس: 5/71.
[71567]:- ث: عظمة.