تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَآ أَذَقۡنَا ٱلنَّاسَ رَحۡمَةٗ مِّنۢ بَعۡدِ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُمۡ إِذَا لَهُم مَّكۡرٞ فِيٓ ءَايَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسۡرَعُ مَكۡرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكۡتُبُونَ مَا تَمۡكُرُونَ} (21)

وقوله تعالى : ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) قال أهل التأويل ( أذقنا الناس ) يعني يأهل مكة إذا أصابهم سعة وفرح ونجاة مما يخافون عادوا إلى ما كانوا من التكذيب وعبادة الأصنام . ولكن أهل مكة وغيرهم كانوا[ في الأصل وم : أنهم ] إذا أيسوا ما يعبدون من الأصنام والأوثان فزعوا إلى الله ، يخلصون[ في الأصل وم : ويخلصون ] له الدين كقوله : ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) الآية[ العنكبوت : 65 ] وقوله : ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) الآية[ يونس : 12 ] وقوله : ( وإذا مس الناس ضرا دعوا ربهم منيبين إليه )الآية[ الروم : 33 ] وغير ذلك من الآيات مما يكثر عددها ، كانت عادتهم الفزع إلى الله عند إصابتهم الشدائد والبلايا لعلمهم أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لا تدفع عنهم ذلك .

وقوله تعالى : ( إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) المكر في الآيات تكذيبها وردها . فيشبه أن تكون الآية ههنا [ في محمد كما كان ][ في الأصل وم : محمدا كما هو ] من أول أمره إلى آخره آية ، فمكروا به لما هموا بقتله غير مرة بقوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا )الآية[ الأنفال : 30 ] .

ويحتمل سائر الآيات والحجج ؛ مكروا فيها ، أي كذبوها ، وردوها ( قل الله أسرع مكرا ) المكر الأخذ من غير أن يعمل هو به . يقول : ( الله أسرع ) أخذا ، يأخذكم[ من م : في الأصل : يأخذهم ] ، وأنتم لا تعلمون به ، ولا تقدرون أن تأخذوا رسول الله ، وتمكروا به إلا وهو يعلم بذلك ، وهو أسرع أخذا منكم ( إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ) فهم الحفظة .

ويحتمل قوله : ( قل الله أسرع مكرا ) أي أسرع [ جزاء ومكرا ][ في الأصل وم : الجزاء والمكر ] منكم وأسرع أخذا من حيث لا تعلمون أنتم . وقال بعض أهل اللغة : المكر بالآيات هو الرد والجحود لها ، وقال بعضهم : استهزاء بها ، فهو واحد ، والله أعلم .