تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

وقوله تعالى : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) اختلف فيه : قال بعضهم ( للذين أحسنوا ) في الدنيا لهم الحسنى في الآخرة جزاء ذلك الإحسان ، وهي الجنة ، سمى الجنة الحسنى لأنها جزاء الإحسان كما سمى النار السوأى كقوله ( أساءوا السُّوأى )[ الروم : 10 ] لأنها جزاء السوء كقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )[ الرحمن : 60 ] .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وزيادة ) قيل : المحبة في قلوب العباد ، يحبه كل محسن ، وهيبة له في قلوب الناس ؛ يهابه كل أحد على غير سلطان له .

وقال قائلون : قوله : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) أي تلك الحسنة ( وزيادة ) أي مثل تلك الحسنة ( وزيادة ) التضعيف حتى تكون عشرا ، أو سبع مئة ، وما شاء الله . يدل على قوله : ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها )[ يونس : 27 ] .

وقال قائلون : قوله ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) الرؤية ، رؤية الرب والنظر كقوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة ) ( إلى ربها ناظرة )[ القيامة : 22و23 ] .

وقال قائلون : ( وزيادة ) قبول حسناته مع ما فيها من الخلط بالسيئات يقبل حسناته بفضله ، وإن كانت تشوبها السيئات ، ورضاه منه ؛ وذلك طريقة الفضل والإحسان ، إذ قد سُبق من النعم ما لا يقدر القيام على وفاء نعمة منها طول عمره .

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة ، لها أربعة أبواب . فلا ندري ما الزيادة التي ذكرها عز وجل في الآية إلا بالخبر عن الله .

وقال قائلون : ( الحسنى ) ما تقدر العقول ، وتدركها ، وتصورها . وأما الزيادة فهي التي لا تقدرها العقول ، ولا تدركها ، ولا تصورها الأوهام كقوله صلى الله عليه وسلم «ما لا عين ، رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر »[ مسلم2824 ] .

وقوله تعالى : ( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) قيل : لا يغشى وجوههم النار والوهج على ما وصف وجوه أهل النار ، وهو قوله : ( ووجوه يومئذ عليها غبرة )( ترهقها قترة )[ عبس : 40و41 ] .

ولكن على ما وصف وجوه أهل الجنة بقوله : ( وجوه يومئذ/229-أسفرة )( ضاحكة متبشرة )[ عبس : 38و39 ] وتلك ، والله أعلم آثار إحسانهم التي أحسنوا في الدنيا ، ولما لم يروا النعم التي كانت لهم من سواء ، ولم يصرفوا شكرها إلى غيره . ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) .

والغبرة والقترة التي ذكر لأهل النار هي آثار السيئات التي عملوها في الدنيا من عبادتهم دون الله وصرفهم شكر النعم إلى غيره ؛ نحو ذلك من صنيعهم الذي صنعوا في الدنيا ، والله أعلم .