تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (24)

وقوله تعالى : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) الآية : في ضرب مثل الحياة الدنيا بالزرع الذي ذكر بوجوه : قال بعضهم : قوله : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) في سرعة فنائها وانقطاعها ووجه زوالها مل ذلك الزرع الذي ذكر في سرعة هلاكه وانقطاعه وزواله عن صاحبه أو أن يقال : ( إنما مثل الحياة الدنيا ) في ما يسر ، ويهيج ، مثل صاحب /228-ب/ الرزع الذي ذكر في ما سر به ، وابتهج ثم كان ما ذكر ( كأن لم يغن بالأمس ) .

وقال بعضهم : ( إنما مثل الحياة الدنيا ) مثل الحياة الدنيا في ما ينفقون فيها مثل صاحب الزرع الذي ذكر ، ينفق عليه لما يأمل من المنافع ، ويطمع منه ، ثم كان . ولم علم في الابتداء أن أمر [ زرعه يؤول ][ في الأصل : زرعه يول ، وفي م : زرع يومل ] ، ويصير إلى ما صار لكان لا ينفق .

فعلى ذلك صاحب الحياة الدنيا لو علم أن عامة أمر نفقته تصير حسرة عليه وندامة ما أنفق كما أن صاحب الزرع الذي ذكر لو علم أن عاقبته كما كان ما أنفق عليه ، أو [ لو ][ من م ، ساقطة من الأصل ] علم أنه لا ينتفع به ما أنفق تكل النفقة ؛ أي لو علم أن سروره وابتهاجه به لا يبقى ، ولا يدوم إلى آخرته[ في الأصل وم : آخره ] ما تكلف ذلك ، أو لو علم أنها تزول عنه ، وتنقطع في تلك السرعة ما أنفق ذلك وما تكلف : ويحتمل ضرب مثل الحياة الدنيا بما ذكر من النبات وجهين :

أحدهما : [ أنه يعبر ][ في الأصل وم : أن يغير ] عن سرعة زوالها وانقطاعها بالنبات[ في الأصل وم : كالبنات ] .

[ والثاني : أنها ][ ساقطة من الأصل وم ] : تتغير في أدنى مدة ووقت .

وقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ) وحسنت ، فأنبتت من ألوان النبات .

وقال أبو عوسجة ( زخرفها ) زينتها من النبت ، و( حصيدا ) أي محصودا كما يحصد الحصاد الزرع ( كأن لم تغن بالأمس ) أي لم تعش ، والمغاني هي[ في الأصل وم : هو ] المواضع التي يعيش فيها الناس . قال : وواحد المغاني المغنى .

وقال القتبي : وأصل الزخرف الذهب ، يقال للنقش والذهبة ، وكل شيء زين زخرف . وقال : ( كأن لم تغن بالأمس ) والمعاني المنازل ، واحدها مغنى .

وقال بعضهم : ( كأن لم تغن بالأمس ) أي لم تنعم ، وقيل : لم تعمر[ في الأصل : تعم ] ، وقال بعضهم : هو من الغنى ؛ أي لم تكن غنيا بالأمس ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ) أي ظن أهل الدنيا في ما ينفقون أنهم قادرون على تلك النفقة كما [ ظن ][ ساقطة من الأصل وم ] صاحب الزرع أنه قادر على ذلك الزرع .

وقوله تعالى : ( أتاها أمرنا ) قيل : عذابنا : سماه[ في الأصل وم : سمى ] أمرا لأنه بأمره [ أتاها ، وقيل ][ في الأصل وم : أتاه و ] : إنه لم يأته عن عقله وسهو ، ولكن عن علم وأمر عظة لهم وتنبيها . ألا ترى أنه قال : ( كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ؟ كأن الآيات في هذا الموضع المواعظ أي في ما ذكر من ضرب مثل الحياة الدنيا بالنبات والزرع الذي ذكر عظة وتنبيه لمن تفكر فيه ، والله أعلم .