تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفيل ( وهي مكية ){[1]}

الآية1 : قوله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } ؟ اختلفوا في السبب الذي به وقع القصد من أصحاب الفيل إلى تهديمهم البيت وتخريبه .

فمنهم من قال : إنهم اتخذوا بيتا في بلادهم ، وسموه كعبة لكي ينساب الناس ( إليه كما ينسابون ){[24057]} إلى الكعبة ، فأبى الناس إتيان{[24058]} ذلك البيت ، فغاظهم ذلك حتى قصدوا تهديم هذا البيت .

ومنهم من قال : إن العرب حرقوا بيعة كانت لهم ، وخربوها ، فغاظهم ذلك حتى أرادوا تهديم هذا البيت جزاء بما فعلت العرب بهم .

ومنهم من قال : إنهم كانوا ملوكا وفراعنة ، ومن عادتهم أنهم يعادون من ضادهم في ملكهم وسلطانهم .

وأي ذلك كان فلا حاجة إلى معرفته ، وإنما حاجتنا إلى تعريف المعنى الذي به أنزلت السورة ، وثبتت .

وتأويل ذلك يخرج على أوجه ثلاثة :

أحدها : أن الله تعالى ذكرهم تلك النعم التي أنعمها عليهم في صرف من أرادوا إهلاكهم ، فإنهم قصدوا قتل أهل مكة وسبي نسائهم وذراريهم وأخذ{[24059]}أموالهم ، فذكرهم الله تعالى جميل صنعه بهم /653 ب/ ليشكروا له ، ويعبدوه حق عبادته ، وينزجروا عن عبادة غيره .

والوجه الثاني : أن الله تعالى خوّف أهل مكة ، ووجه ذلك أن الله تعالى لما أهلك أصحاب الفيل بما ضيعوا حرمة بيته ، فلا يأمن أهل مكة من إهلاكه إياهم وتعذيبهم بما ضيعوا حرمة رسوله صلى الله عليه وسلم مع أن حرمة الرسول صلى الله عليه أعظم من حرمة البيت . وقد{[24060]} نزل بأولئك ما نزل لما جاء منهم من تضييع حرمة بيته ، فلأن يخشى عذابه ونقمته من تضييع حرمة رسوله أولى .

والوجه الثالث : أن الله تعالى لما أهلك أولئك لما أراهم من آياته لم ينصرفوا ؛ لأنه ذكر أنهم كانوا إذا وجهوا الفيل نحو البيت امتنع ، ووقف ، وإذا وجهوه نحو أرضهم هرول ، وتسارع . فلما رأوا ذلك ، ولم ينصرفوا ، أهلكهم الله تعالى .

فلا يؤمن على أهل مكة أيضا ؛ لأنهم{[24061]} لما رأوا الآيات المعجزة من الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا ( توعدهم بأن ){[24062]} يهلكهم الله سبحانه وتعالى وينتقم منهم بعقوبته .

فعلى ما ذكرنا يخرج معنى نزول السورة .

وقيل : إنه على البشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الإشارة أنه لم يكن للبيت ناصر في ذلك الوقت ولا معين ؛ بل كان وحده ، فنصره الله تعالى ، حتى لم يمكن أعداءه من هدمه ، فعلى ذلك ينصرك ، ويعينك ، ويهلك عدوك ، وإن كنت أنت وحدك ، إذ كان وقت نزول هذه السورة لم يكن له كثير أعوان ، وقد فعل ذلك يوم بدر .

ثم قوله : { ألم تر } حرف استعمل في تذاكر أعجوبة قد كانت ، وعرفوها ، ثم غفلوا عنها ، أو في ما لم يكن ، فيعجبهم بما فعل بأعدائه ليحملهم على الزجر والانتهاء عما حرم الله تعالى ، فكأنه قال : رأيت ربك كيف فعل بأصحاب الفيل .

ويجوز أن يكون الخطاب منه للنبي عليه السلام ، والمراد غيره . ويجوز أن يكون هذا خطابا لكل واحد منهم .

ثم تسميتهم أصحاب الفيل ، ونسبة الفيل إليهم يحتمل وجهين :

أحدهما : أي الذين صحبوا الفيل . والثاني : أصحاب الفيل ، أي أرباب الفيل ، كما يقال : رب الدار .


[1]:- في ط ع: سمح.
[24057]:في م: كما ينسابوا ساقطة من الأصل
[24058]:أدرج قبلها في الأصل وم: إلى
[24059]:في الأصل وم: وأخذوا
[24060]:في الأصل وم: فلما
[24061]:في الأصل وم: أنهم
[24062]:في الأصل وم: أن