تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} (1)

الآية1 : قوله تعالى : { ويل لكل همزة لمزة } اختلفوا في معنى الهمزة واللمزة ، فقال بعضهم : معناهما واحد ، وهو الدفع والطعن ، وقال بعضهم : الهمزة : هو الذي يؤذي جليسه بلسانه ، واللمزة : الذي يؤذي بعينه ، وقال : بعضهم : الهمزة الذي يطعنه/653 أ/ عند حضرته ، واللمزة الذي يطعنه عند غيبته . وهذا إنما يسمى به من يعتاد ذلك الفعل .

وأهل اللغة وصفوا هذا المثال ، وهو فعل من يعتاد ذلك ، ويحترفه .

قال أهل التأويل : إن الآية في الكفار ، لكن بعضهم قالوا : نزلت في الأخنس بن شريق ، وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة .

ولقائل أن يقول : إن الآية نزلت في الكفار ، وكذلك كثير من الآي : كقوله{[24039]} تعالى : { ويل للمطففين } { الذين } ( المطففين : 1و2 ) ونحوه{[24040]} ، ومعلوم ( أن من ){[24041]} وجد منهم هذا الفعل أو مثله{[24042]} استوجبوا ما ذكر من العقوبات وأشد ، مع أن الذي فيه من الكفر أقبح من هذين الفعلين ، فكيف وقع تعييرهم بذلك ؟

والجواب عن هذا وأمثاله من نحو قوله تعالى : { ويل للمطففين } { الذين } ( المطففين : 1و2 ) وقوله : { لم تك من المصلين } { ولم نك نطعم المسكين } . . . { وكنا نكذب بيوم الدين } ( المدثر : 43 46 ) ( في وجوه : أحدها : أنهم ){[24043]} وإن أقاموا الصلاة ، وأعطوا الزكاة ، لم يزل عنهم عقوبة النار . والجواب عنه أن الإيمان لم يحسن لاسمه ، ولا قبح الكفر لنفس اسم الكفر ؛ لأنه ليس أحد ممن يذهب مذهبا ، أو يدين دينا إلا وهو يكفر بشيء ، ويؤمن بشيء ؛ لأن المسلم مؤمن بالله تعالى ، كافر بالطاغوت ، والكافر يكفر بالرحمن ، ويؤمن بالطاغوت ، ويعبده .

فثبت أن الإيمان ليس يحسن لنفس اسم الإيمان ، ولا قبح الكفر لعين اسم الكفر ، ولكن الإيمان بالله تعالى إنما يحسن بحسن ( من حين ){[24044]} أوجبت الحكمة الإيمان به ، ويقبح الكفر ؛ لأن الحكمة أوجبت ترك الكفر بالله تعالى ، فالإيمان حسن لما فيه من ( معنى الإيمان ){[24045]} ، والكفر قبيح لما فيه من معنى الكفر .

وهذان الفعلان قبيحان في نفسيهما{[24046]} لا بغيرهما ، فكان التعبير الذي يقع بهذين الفعلين أكثر وأبلغ منه في تعييرهم بالكفر . لذلك عيرهم الله تعالى بهذين الفعلين .

( والثاني : ){[24047]} أن هذا يخرج مخرج الموعظة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهمز به ، ويسخر منه لما يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ولا يحمله ما كانوا يتعاطون على ترك أمرهم بالمعروف ونهيهم{[24048]} عن المنكر لما يخشى أن يسخر به ، أو يستهزأ .

والثالث : أن يكون هذا على وجه المكافأة والانتقام لما كانوا يفعلون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الزجر والردع عن ذلك ؛ إذ العقلاء يمتنعون عن الأفعال القبيحة .

فعلى هذه الوجوه يحتمل معنى تعييرهم .


[24039]:في الأصل وم: من قوله
[24040]:في الأصل وم: ونحوها
[24041]:في الأصل وم: أنه
[24042]:في الأصل وم: عدمه
[24043]:في الأصل وم: فهم
[24044]:في الأصل: من حيث. ساقطة من م
[24045]:في الأصل وم:المعنى.
[24046]:في الأصل وم: أنفسهما
[24047]:في الأصل وم: ووجه آخر
[24048]:في الأصل وم: والنهي