تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَآءُوٓ أَبَاهُمۡ عِشَآءٗ يَبۡكُونَ} (16)

وقوله تعالى : ( وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ ) في الآية دلائل :

أحدها : أن من ارتكب صغيرة فإنه يخاف عليه التعذيب ، ولا يصير كافرا .

[ والثاني : أن ][ في الأصل وم : و ] من ارتكب كبيرة لم يخرج من الإيمان ، لأن إخوة يوسف هموا بقتل يوسف أو طرحه في الجب أو التغييب عن وجه أبيه وإخلائه عنه .

وذلك لا يخلو منهم : إما أن يكون صغيرة وإما[ في الأصل وم : أو ] كبيرة .

فإن كانت صغيرة فقد استغفروا عليها بقولهم[ في الأصل وم : بقوله ] : ( يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا )الآية[ الآية : 97 ] دل أنه إنما استغفروا لما خافوا العذاب عليها .

وإن كانت كبيرة فلم يخرجوا من الإيمان لأنهم[ في الأصل وم : حيث ] صاروا أنبياء من بعد وصاروا قوما صالحين حين[ في الأصل وم : حيث ] قالوا ( وتكونوا من بعده قوما صالحين )[ الآية : 9 ] .

[ والثالث ][ ساقطة من الأصل وم ] : دل ما ذكرنا على نقض المعتزلة في صاحب الصغيرة ألا تعذيب عليه ، وفي[ في الأصل وم : و ] صاحب الكبيرة : أنه خرج من الإيمان ، ونقض قول الخوارج في قوله إنه إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة صار به كافرا أو مشركا .

والرابع[ في الأصل وم : و ] : فيه نقض قول من يقول : إن من كذب أو وعد ، فأخلف واؤتمن فخان ، يصير[ في الأصل وم : يصير ] منافقا ؛ لأن أخوة يوسف اؤتمنوا فخانوا ، ووعدوا فأخلفوا ، وحدثوا فكذبوا ، فلم يصيروا منافقين ؛ لأنهم قالوا : ( فأكله الذئب )[ الآية : 17 ] ولم يأكله وهو كذب و اؤتمنوا فخانوا حين ألقوه في الجب ، ووعدوا أنهم يحفظونه ولم يحفظوه .

فإن قيل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ثلاث من علامات النفاق : من إذا حدث كذب ، وإذا أؤتمن خان ، وإذا وعد أخلف »[ مسلم : 59 ] فكيف يوفق بين الآية والخبر إذ هو لا يحتمل النسخ لأنه خبر والخبر لا يحتمل النسخ ؟

قيل يشبه أن يكون في قوم خاص من الكفرة اؤتمنوا بما أودع الله في التوراة من بعث محمد فغيروه ووعدوا أن يبينوه فأخلفوا وكتموه ، وحدثوا أنهم بينوه فكذبوا . فيصير منافقا بما ذكر إذا كان ذلك في أمر الدين ، وأما في غيره فإنه لا يصير منافقا ، ولا تكون تلك من أعلام المنافق ، والله أعلم .