الآية 88 : وقوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } يشبه أن يكون هذا صلة قوله : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } .
ثم قال تعالى{[11208]} : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } ما قدروا عليه ، وقوله تعالى : { بمثله } أي به كقوله : { ليس كمثله شيء } ( الشورى : 11 ) أي ليس هو شيئا{[11209]} ، إذ لا مثل له .
فدل أن قوله : { لا يأتون بمثله } أي لا يقدرون أن يأتوا به بعد ما عرفوه ، وعاينوه ، فلأن لا يقدروا على إتيانه ابتداء قبل أن ينظروا فيه ، ويعرفوا{[11210]} أمثاله أشد وأبعد ، إذ نَظْمُ شيء وتصويره{[11211]} بعدما عاينوا الأشياء الصور أهونُ وأيسر من تصويرها{[11212]} قبل أن يعاينوها ، ويشاهدوها{[11213]} .
وجائز أن يُسْتَدَلَّ بهذه الآية على أنه كان مبعوثا إلى الإنس والجن جميعا حين{[11214]} قال : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن } لأنه لو لم يكن ( مبعوثا إلى الفريقين جميعا لم يكن ){[11215]} لذكرهما معنى وفائدة .
وفيه دلالة أن ( في ){[11216]} الجن من لسانه لسان العرب ، إذ لو لم يكن ( ذلك لم يكن ){[11217]} يذكر أولئك .
ثم جائز أن يكون قوله : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن } ( الإنس مع الإنس ، والجن مع الجن ، أو الإنس مع الجن ، أي ){[11218]} هؤلاء مع هؤلاء { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } .
وقال بعض/309-أ/أهل التأويل : إنما ذكر هذا لقولهم : إنه{ سحر } ( المائدة : 110و . . ) وقولهم{[11219]} { إنما يعلمه بشر } ( النحل : 103 ) وقولهم : { ما هذا إلا إفك مفترى } ( سبإ : 43 ) وقولهم : { إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا } ( المؤمنون : 38 ) ومثله . يقولون{[11220]} : إن الإفك والسحر وما ذكرتم لا يكون إلا من هذين من الجن والإنس ، فأخبر أنهم لو اجتمعوا { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } ما قدروا عليه .
والدلالة على أنهم عجزوا عن ذلك ، ولم يطمع أحد منهم ( في ){[11221]} ذلك إلا سفيه ، أظهر الله سفهه وكذبه في القرآن حيث قال : { قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين } { وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } ( الأنفال : 31و32 ) لم يسأل التوفيق إن كان هو حقا ، ولكن سال العذاب { أو ائتنا بعذاب أليم } ( الأنفال : 32 ) .
دل أنه كان سفيها أية السفه بقوله{[11222]} : { إن هذا إلا أساطير الأولين } ثم ارتاب فيه ، وشك بقوله : { إن كان هذا هو الحق من عندك } وإلا لم يطمع ، ولم يخطر ببال أحد من الخلائق التكلف لذلك . دل أنه آية معجزة من الله تعالى .
ثم اختلف في قوله : { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } قيل : مثل نظمه ورصفه ، وقيل : مثل حقه وصدقه .
ويحتمل : مثل حججه وبراهينه . ويحتمل : مثل إحكامه وإتقانه . يحتمل قوله : { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } هذه الوجوه الخمسة التي ذكرنا .
ثم قوله : { بمثله } يحتمل ما ذكرنا أي بالذي رفع ، وذهب به على التأويل الذي جعلناه صلة قوله : { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } بالذي ذهب به ، ورفع { لا يأتون بمثله } أي لا يقدرون عل إتيانه .
وإن كان هذا الابتداء فهو على المثل ، أي لا يقدروا عليه بعد ما قرع سمعهم هذا . فلو كان في وسعهم هذا لفعلوا ليخرج قولهم صدقا وقول الرسول كذبا . فإن لم يفعلوا ذلك ، ولم يتكلفوا ، دل أنهم عرفوا أن ذلك من الله وأنه آية معجزة خارجة عن وسعهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.