تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ بَلۡ أَتَيۡنَٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ} (71)

الآية 71 : وقوله تعالى : { ولو اتبع الحق أهواءهم } قال عامة أهل التأويل : الحق ههنا : هو الله أي لو اتبع الله أهواءهم في كفرهم وشركهم{ لفسدت السموات والأرض ومن فيهن } وتأويل هذا{[13481]} أن الكفر والشرك مما لا عاقبة له . فهو في الحكمة والعقل فاسد باطل غير مستحسن .

وقال بعضهم : الحق ههنا كتاب الله ، وهو القرآن على ما يهوون هم لفسد ما ذكر لأنه يكون خارجا عن الحكمة .

وجائز أن يوصل قوله : { ولو اتبع الحق أهواءهم } بالحق{[13482]} ، الذي سبق ذكره ، وهو قوله : { بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون }أي ( لو اتبع ){[13483]} ذلك الحق أهواءهم ، وجاء على ما هويته{[13484]} أنفسهم ، واشتهت ، ( والحق ){[13485]} اسم كل مستحسن وممدوح في العقل والحكمة . ولو اتبع ذلك الحق أهواءهم ، وجاء على ما هويته{[13486]} أنفسهم ، واشتهت من عباده غير الله وتسميتهم إياها آلهة وإنكارهم البعث والتوحيد وغير ذلك من الأفعال التي كانوا اختاروها وعملوا{ لفسدت السموات والأرض } وما ذكر لأنه يكون خلقهم وخلق ما ذكر من السموات والأرض وما فيهن لا لما توجبه الحكمة والعقل إذ{[13487]} خلقهم ، وخلق ما ذكر لأفعالهم التي يفعلون .

فإذا{[13488]} خرجت أفعالهم على غير ما توجبه الحكمة والعقل بل على السفه والجهل خرج الذي لها خلق من أجلها الشيء . كذلك إذ خلق الشيء وفعله لا لعاقبة تقصد خارج عن الحكمة ، والله أعلم بذلك .

وجائز أن يكون الحق ، هو رسوله الله ؛ أي رسول الله لو اتبع أهواءهم لفسد ما ذكر .

وقوله تعالى : { بل أتيناهم بذكرهم } قال أهل التأويل : بشرفهم وذكرهم كقوله : { وإنه لذكر لك ولقومك }( الزخرف : 44 ) { فهم عن ذكرهم معرضون }أي عن شرفهم معرضون .

وجائز أن يكون الذكر هو الحق الذي تقدم ذكره ، أي لو قبلوا ( ذلك الحق ، وأقبلوا ){[13489]} نحوه يكون في ذلك ذكرهم من بعد هلاكهم كما يذكر أصحاب رسول الله من بعد ما ماتوا . ألا ترى أولادهم بذكر آبائهم يتعيشون ؟ يقولون : إنا من بني فلان ، فيبرهم الناس بذلك ، ويكرمونهم .

وأما أولئك فإنهم لا يذكرون بشيء من ذلك ، فذلك يدل على ما ذكرنا .

ويحتمل قوله : { بل أتيناهم بذكرهم }الثناء عليهم : أي لو آمنوا كقوله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس }الآية ( آل عمران : 110 ) وقوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا }( البقرة : 143 ) وقوله : { والسابقون الأولون }الآية ( التوبة : 100 ) ونحو ذلك مما أثنى الله على من آمن منهم . فهم لو آمنوا استوجبوا بذلك الثناء .

وجائز أن يكون قوله : { بل أتيناهم بذكرهم }أي بدعاء لهم ، وهو ما دعا الملائكة والرسل للمؤمنين كقوله : { ويستغفرون للذين آمنوا }الآية ( غافر : 7 ) وقوله : { واستغفر لذنبك }( غافر : 55 ومحمد 19 ) ( وقول{[13490]} نوح ) : { رب اغفر لي ولوالدي }الآية ( نوح : 28 ) وقول إبراهيم ودعائه لهم( { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب }( إبراهيم : 41 ) ){[13491]} لو آمنوا استوجبوا دعاء هؤلاء الملائكة والرسل جميعا ، أو أن يكون ما ذكرنا من إبقاء ذكرهم إلى يوم القيامة كما بقي ذكر أولئك الذين آمنوا به ، وصدقوه . فيكون في ذلك كله شرفهم وقدرهم على ما قاله أهل التأويل ، والله أعلم .


[13481]:من م ساقطة من الأصل.
[13482]:في الأصل وم: الحق.
[13483]:ساقطة من الأصل وم.
[13484]:في الأصل وم: هوت به.
[13485]:في الأصل وم: و.
[13486]:في الأصل وم: هوت به.
[13487]:في الأصل وم: إذا.
[13488]:في الأصل وم فإذ.
[13489]:في م: ذلك الحق الذي واقبلوا.
[13490]:في الأصل وم: وقوله.
[13491]:ساقطة من الأصل وم.