فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ} (89)

{ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قيل هو استثناء منقطع أي لكن من أتى الله . قال في الكشاف : إلا مال من أتى الله فقدر مضافا محذوفا قال أبو حيان : ولا ضرورة تدعو إلى ذلك . وقيل : إن هذا الاستثناء بدل من المفعول المحذوف ، أو مستثنى منه إذ التقدير لا ينفع مال ولا بنون أحدا من الناس إلا من كانت هذه صفته . ويحتمل أن يكون بدلا من فاعل ينفع ، فيكون مرفوعا . قال أبو البقاء : فيكون التقدير إلا مال من ، أو بنو من ، فإنه ينفع وهذا الماضي بمعنى المضارع ، وكذا يقال في قوله : وأزلفت وبرزت ، وقيل وكبكبوا وقالوا .

واختلف في معنى القلب السليم فقيل ؛ السليم من الشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ، قاله المفسرين . وقال سعيد بن المسيب : السليم الصحيح ، وهو قلب المؤمن ؛ لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، قال تعالى في قلوبهم مرض . وقيل هو القلب الخالي عن البدعة المطمئن إلى السنة وقيل سالم من آفة المال والبنين . وقال الضحاك السليم الخالص . وقال الجنيد رحمه الله السليم في اللغة اللديغ ، فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله تعالى . وهذا تحريف وتعكيس لمعنى القرآن .

قال الرازي أصح الأقوال أن المراد منه سلامة النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة . وقال ابن عباس بشهادة أن لا إله إلا الله . وقد صوب الجليل استثناء الخليل إكراما له ؛ ثم جعله صفة له في قوله : { وإن من شيعته لإبراهيم ؛ إذ جاء ربه بقلب سليم } .

قال النسفي : وما أحسن ما رتب عليه السلام من كلامه مع المشركين حيث سألهم أولا عما يعبدون ، سؤال مقرر لا مستفهم ، ثم أقبل على آلهتهم فأبطل أمرها بأنها لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ، وعلى تقليدهم آبائهم الأقدمين فأخرجه من أن يكون شبهة ، فضلا عن أن يكون حجة ، ثم صور المسألة في نفسه دونهم حتى تخلص منها إلى ذكر الله تعالى فعظم شأنه . وعدد نعمه من حين إنشائه إلى وقت وفاته مع ما يرجى في الآخرة من رحمته ، ثم أتبع ذلك أن دعا بدعوات المخلصين ، وابتهل إليه ابتهال الأدب ، ثم وصله بذكر يوم القيامة وثواب الله وعقابه وما يدفع إليه المشركون يومئذ من الندم والحسرة على ما كانوا فيه من الضلال ، وتمنى الكرة إلى الدنيا ليؤمنوا ويطيعوا انتهى .