قوله : { إِلاَّ مَنْ أَتَى الله } فيه أوجه :
أحدها : أنه منقطع ، أي { إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } فإنه ينفعه ذلك .
وقال الزمخشري : ولا بد مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها سلامة القلب{[37421]} ، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن البنين والمال لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى{[37422]} .
قال أبو حيان : ولا ضرورة تدعو إلى حذف المضاف كما ذكر{[37423]} .
قال شهاب الدين{[37424]} : إنما قدر المضاف ليتوهم دخول المستثنى في المستثنى منه لأنه متى لم يتوهم ذلك لم يقع الاستثناء ، ولهذا منعوا : صَهَلَتِ الخَيْلُ إلاَّ الإِبِلَ . إلاَّ بتأويل{[37425]} .
الثاني : أنه مفعول به قوله : «لاَ يَنْفَعُ » أي : لا ينفع المال والبنون إلا هذا الشخص فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البِرِّ وبنوه الصلحاء ، لأنه علَّمهم وأحسن إليهم{[37426]} .
الثالث : أنه بدل من المفعول المحذوف ، أو مستثنى منه ، ( إذ التقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحداً من الناس إلا من كانت هذه صفته{[37427]} ، والمستثنى منه ){[37428]} يحذف كقوله :
3912 - وَلَمْ{[37429]} يَنْجُ إِلاَّ جَفْنُ سَيْفٍ وَمِئْزَرا{[37430]} *** . . .
الرابع : أنه بدل من فاعل «يَنْفَعُ » فيكون مرفوعاً . قال أبو البقاء : وغلب من يعقل فيكون التقدير : إلاّ مالُ من ، أو بنون من فإنه ينفع نفسه وغيره بالشفاعة{[37431]} .
قال شهاب الدين : وأبو البقاء خلط وجهاً بوجه ، وذلك أنه إذا أردنا أن نجعله بدلاً من فاعل «يَنْفَعُ » قلنا : فيه طريقتان{[37432]} :
إحداهما{[37433]} : طريقة التغليب ، أي : غلَّبنا البنين على المال ، فاستثنى من البنين فكأنه قيل : لا ينفع البنون إلا من أتى من البنين بقلب سليم فإنه ينفع نفسه بصلاحه وغيره بالشفاعة .
والطريقة الثانية : أن نقدر مضافاً محذوفاً قيل «من » أي : إلاّ مال من ، أو بنو من ، فصارت الأوجه خمسة{[37434]} . ووجه الزمخشري اتصال الاستثناء بوجهين :
أحدهما : إلا حالة{[37435]} { مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وهو من قوله :
3913 - تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ{[37436]} *** . . .
وما ثوابه إلا السيف ، ومثاله أن يقال : هل لزيدٍ مالٌ وبنون ؟ فيقال : مالُه وبنُوه سلامة{[37437]} قلبِهِ ، يريد نَفْيَ المالِ والبنين عنه ، وإثبات سلامة قلبه بدلاً عن ذلك{[37438]} .
والثاني : قال : وإن{[37439]} شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا من أتى الله ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامه قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه{[37440]} .
قال ابن الخطيب : أصحها : أن المراد منه سلامه النفس{[37441]} عن الجهل والأخلاق الرذيلة{[37442]} . وقيل : السليم : الخالص من الشرك والشك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ، وهذا قول أكثر المفسرين{[37443]} . وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو الصحيح ، وهو قلب المؤمن ، لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، قال الله تعالى : { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }{[37444]} {[37445]} . وقيل : السليم : هو{[37446]} اللديغ من خشية الله{[37447]} . وقيل : السليم : هو الذي سَلَّم وأَسْلَم وسَالَم واسْتَسْلَم{[37448]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.