البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ} (89)

{ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } والظاهر أن الاستثناء منقطع ، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه .

قال الزمخشري : ولك أن تجعل الاستثناء منقطعاً ، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها السلامة ، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى . انتهى .

ولا ضرورة تدعو إلى حذف مضاف ، كما ذكر ، إذ قدرناه ، لكن { من أتى الله بقلب سليم } ينفعه ذلك ، وقد جعله الزمخشري في أول توجيهه متصلاً بتأويل قال : إلا من أتى الله : لا حال من أتى الله بقلب سليم ، وهو من قوله :

تحية بينهم ضرب وجيع . . .

وما ثوابه إلا السيف ، ومثاله أن يقال : هل لزيد مال وبنون ؟ فيقول : ماله وبنوه سلامة قلبه ، تريد نفي المال والبنين عنه ، وإثبات سلامة القلب له بدلاً عن ذلك .

وإن شئت حملت الكلام على المعنى ، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه . انتهى .

وجعله بعضهم استثناء مفرغاً ، فمن مفعول ، والتقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحداً إلا من أتى الله بقلب سليم ، فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر ، وبنوه الصلحاء ، إذ كان أنفقه في طاعة الله ، وأرشد بنيه إلى الدين ، وعلمهم الشرائع وسلامة القلب ، خلوصه من الشرك والمعاصي ، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين .

وقال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره ، وهذا يقتضي عمومه اللفظ ، ولكن السليم من الشرك هو الأعم .

وقال الجنيد : بقلب لديغ من خشية الله ، والسليم : اللديغ .

وقال الزمخشري : هو من بدع التفاسير وصدق .