تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ أَوَلَمۡ يَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةٗ وَأَكۡثَرُ جَمۡعٗاۚ وَلَا يُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (78)

[ الآية 78 ] وقوله تعالى : { قال إنما أوتيته على علم عندي } اختلف فيه : قال بعضهم : إن قارون كان أقرأ الناس بالتوراة وأعلمهم بها ، وسمي قارون لذلك ، وذكر أنه سمي المنور لحسن صوته بالتوراة .

وقال بعضهم : قوله : { إنما أوتيته على علم عندي } وهو الكيمياء ؛ ذكر أنه كان يعالج صنعة الذهب ، ويحسنها . وقال بعضهم : { إنما أوتيته على علم عندي } أي علم خبر /402-أ/ عندي ؛ قال ذلك على إثر قول أولئك : { ولا تنس نصيبك من الدنيا } [ إلى قوله تعالى ] : {[15565]} { إن الله لا يحب المفسدين } ] كأنهم أوعدوه بذهاب ذلك عنه وهلاكه . فقال ، والله أعلم { إنما أوتيته على علم عندي } لم أوت جزافا بلا سبب ، وكأنه ، والله أعلم ، نسي{[15566]} الآخرة بما أوتي من المال والكنوز وترك الإنفاق في الخير ، وكان عارفا بالله حين{[15567]} قالوا له : { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } وقالوا له : { إن الله لا يحب المفسدين } دل هذا منهم أنه كان عارفا بالله تعالى .

وقوله تعالى : { أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا } ذكر هذا ، والله أعلم ، لما أنه كان يفتخر ، ويستكبر على الناس بما أوتي من الأموال والكنوز والأتباع .

ويحسب أنه يدفع العذاب الموعود في هذه الدنيا بذلك عن نفسه أو يظن [ أن من ]{[15568]} أوتي ذلك لا يعذب كظن أولئك الكفرة حين{[15569]} قالوا : { نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين } [ سبإ : 35 ] .

فجائز أن كان من قارون من الإعجاب بالكثرة والجمع ما ذكر [ أولئك ، فقالوا ]{[15570]} عند ذلك : { أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا } ثم لم يتهيأ لهم دفع ما نزل بهم من العذاب . فعلى ذلك أنت يا قارون ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } اختلف فيه : قال بعضهم : لا يسألون عن ذنوبهم [ لما يعرفون بسيماهم ]{[15571]} كقوله : { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام } [ الرحمن : 41 ] .

وقال بعضهم : لا تسأل هذه الأمة عن صنيع مجرمي الأمم الخالية . وجائز [ أنهم لا يسألون ]{[15572]} عن ذنوبهم لأنهم لا يرون ما يعملون من الأعمال ذنوبا ، ولكن إنما يسألون عن الدليل الذي به لا يرون تلك الأعمال ذنوبا{[15573]} ، والله أعلم .


[15565]:- في الأصل وم: {ولا تبغ الفساد في الأرض}.
[15566]:- من م، في الأصل: لفني.
[15567]:- في الأصل وم: حيث.
[15568]:- في الأصل وم: إنه لما.
[15569]:- في الأصل وم: حيث.
[15570]:- في الأصل وم: بأولئك فقال.
[15571]:- من نسخة الحرام المكي، ساقطة من الأصل وم.
[15572]:- من نسخة الحرام المكي، ساقطة من الأصل وم: أن يسأل.
[15573]:- في الأصل وم: ذنبا.