[ الآية 85 ] وقوله تعالى : { إن الذين فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } اختلف في قوله : { فرض عليك القرآن } قال بعضهم : { فرض } أي نزل عليك . وقال بعضهم : { فرض عليك } العمل بالقرآن . وقال بعضهم : { فرض } تبليغ ما أنزل عليك القرآن والرسالة إلى الناس .
واختلف أيضا في قوله : { لرادك إلى معاد } قال بعضهم : المعاد [ مكة . وقال بعضهم : المعاد ]{[15612]} البعث والساعة ، وقال بعضهم : المعاد الجنة ، ويقال : الموت ، وكلمة البعث والمعاد هو البعث في الظاهر .
وجائز أن تسمى مكة معادا لما يعود الناس إليها مرة [ بعد مرة ]{[15613]} كما تسمى مثابة لما يثوب الناس إليها مرة بعد مرة . لكن من يقول : إن المعاد ، هو مكة ؛ يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة إلى المدينة ، فهاجر إليها ، اشتاق إلى بلده ومولده ومولد آبائه ، فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآية بشارة في العود إليها ظاهرا عليهم قاهرا فاتحا له مكة . هذا تأويل من يقول : إن المعاد ، هو مكة .
وجائز أن يكون على غير هذا ، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : كأنه حزن على الفراق منهم إشفاقا على هلاكهم لإخراجهم الرسول من بين أظهرهم لأن الأمم السالفة إذا أخرج من بينهم الرسل نزل بهم العذاب ، فخاف لما{[15614]} أخرجوه من بين أظهرهم ، وأبوا إجابته أن يهلكوا ، ويعذبوا ، كقوله : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] وقوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] فبشر بهذا أن ترد إليها ، وستعود إليهم ، فيتبعونك ، ويؤمنون بك ، وهم لا يهلكون إهلاك استئصال وتعذيب كسائر الأمم .
والثاني : يذكر على الامتنان عليه ؛ يقول : إن الذي أنزل عليك القرآن ، وألقاه عليك بعد ما لم تكن ترجو إلقاءه عليك وإنزاله . ولكن برحمته ومنه ألقاه إليك ، وأنزل عليك حين{[15615]} قال : { وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك } [ القصص : 86 ] .
فعلى ذلك يردك إلى مكة بعد ما لم تكن ترجو ردك وعودك إليها .
وإن كان لمعاد هو البعث ، فهو يخرج أيضا على وجهين :
أحدهما : على البشارة ؛ كأنه يقول : إن الذي فرض عليك القرآن يردك ويبعثك ، بمن كذبك وبمن صدقك ، فينتقم من مكذبيك جزاء التكذيب ، ويجزي من يصدقك جزاء التصديق .
والثاني : يذكره ، ويخاطبه ، وإنما يريد قومه ، أي ستبعثون ، وستعودون إليها ، فيكون كالآيات التي يخاطب بها رسوله ، والمراد بها قومه ، فهو يخرج على الوعيد .
ألا ترى أنه قال : { قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين } ؟ أي { ربي أعلم من جاء بالهدى } فيجزيه جزاء الهدى { ومن هو في ضلال مبين } فيجزيه [ جزاء الضلالة ]{[15616]} .
فيخرج ذكر هذا عند ادعاء أولئك الكفرة أنهم على الحق والهدى وأن آباءهم كانوا على الحق والهدى ، وأنتم على ضلال ، فيقول : { ربي علم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين } نحن أو أنتم . فهو على التحاكم إلى الله أن يحكم بينهم ، فيجزي كلا بما جاء به ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.