تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

الآية 2 وقوله تعالى : { أحسب الناس } قوله : { أحسب الناس } هو ، وإن كان في الظاهر استفهاما فهو على الإيجاب لا الاستخبار ؛ إذ حقيقة الاستفهام والاستخبار إنما تكون ممن يجهل الأمور ، فيستخبر ، ويستفهم ، ليعرف ذلك ، فالله ، سبحانه ، يتعالى عن أن يخفى عليه شيء . فهو على التقدير والإيجاب منه( {[15627]} ) .

ثم يخرج قوله : { أحسب الناس } على أحد وجهين :

[ أحدهما ] ( {[15628]} ) : أي حسب الناس .

والثاني : أي لا يحسب { الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا } .

وقوله تعالى : { أن يقولوا آمنا } ذكر الإيمان ، ولم يذكره بمن : بالله أو بغيره . وليس أحد من الخلائق إلا وهو يؤمن بأحد ، ويكفر بغيره . وليس في الآية بيان الإيمان به أو بمن . إلا أن الله تعالى سخر الخلق على الفهم من الإيمان المطلق المرسل الإيمان بالله وبرسله ، وسخرهم حتى فهموا من الكتاب المطلق كتاب الله ، والدار الآخرة الجنة .

وأمثال ذلك مما فهموا من الكتاب المطلق كتاب الله ، وفهموا مما ذكرنا من الإيمان المطلق الإيمان بالله تعالى وبرسله ، وفهموا أيضا من الدين المطلق دين الله . . .

فيكون قوله : { أن يقولوا آمنا } بالله وبرسله .

وقوله تعالى : { وهم لا يفتنون } أي لا يبتلون . والفتنة هي الابتلاء الذي فيه الشدة ؛ يمتحن الله عباده باختلاف الأحوال : مرة بالضيق والشدة ، ومرة بالسعة والرخاء وبأنواع( {[15629]} ) العبادات ليكون ذلك علما للخلق في صدق الإيمان به والكذب فيه ، فيعرفوا صدق كل مخبر عن نفسه الإيمان بالله تعالى وكذبه ، إذ قد يجوز أن يكون في ما يخبر ، ويقول : آمنت ، كاذبا .

فجعل الله تعالى العلم في صدقهم وكذبهم أعمالا ، تظهر بها عندهم صدقه ما لو كان الابتلاء والامتحان بجهة لعلة لا تظهر ذلك . وهو ما أخبر عن المنافقين ، فقال : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآية [ الحج : 11 ] .

هذا يدل أن الفتنة ، هي المحنة التي فيها الشدة والبلاء وما قال : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون } [ الأنبياء : 35 ] فإنما يظهر صدق الرجل في الإيمان بما يصيبه من الشدة . فأما السعة والرخاء فهو يوافق طبعه وهوى( {[15630]} ) نفسه فلا يظهر صدقه بما يوافق طبعه ، وإنما يظهر ذلك بما يخالف طبعه ، ويثقل عليه تحمل( {[15631]} ) ذلك .

ثم قال بعضهم : ( 1 ) الواو ساقطة من الأصل وم .

نزلت الآية في قوم ، أظهروا الإيمان باللسان ، وأضمروا الخلاف والكذب .

وقال بعضهم : نزلت في قوم ، آمنوا بالله ورسوله حقيقة ، ثم عذبوا بأنواع العذاب ، فتركوا الإيمان ، وكفروا به . وفيهم نزل [ قوله تعالى ] ( {[15632]} ) : { ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله } [ العنكبوت : 10 ] فكيف ما كان ففيه أن من أقر بالإيمان ، وقبله( {[15633]} ) يمتحن بأنواع المحن بموافقة الطبع ومخالفته ليظهر صدقه عند الناس ، فيعاملونه على ذلك ، والله أعلم .


[15627]:أدرج بعدها في الأصل وم: وذلك.
[15628]:ساقطة من الأصل وم.
[15629]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[15630]:من م، في الأصل، وهو في.
[15631]:من م، في الأصل: يحتمل.
[15632]:ساقطة من الأصل وم.
[15633]:في الأصل وم: وقيل.