تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

وقوله تعالى : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } الآية : قيل إن المنافقين قالوا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم بعدما انهزم كفار مكة وولوا دبرهم : { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } يخوفونهم حتى لا يتبعوا على إثرهم فتلك{[4592]} عادتهم لهم لم تزل كقوله تعالى : { ما زادكم إلا خبالا } ( التوبة 47 ) إلا فسادا ، وقيل إنه إنما قال ذلك لهم رجل يقال له : نعيم بن مسعود ولا ندري كيف كانت القصة ؟ .

وقوله تعالى : { فزادهم إيمانا } لما وجدوا الأمر على ما قال لهم صلى الله عليه وسلم ووعد لهم لا على ما قال أولئك فزادهم ذلك إيمانا أي تصديقا زادهم ، قيل : جرأة وقوة وصلابة على ما كانوا من قبل في الحرب والقتال ، ويحتمل زادهم ذلك في إيمانهم قوة وصلابة وتصديقا ، وقيل : قوله عز وجل { فزادهم إيمانا } أي تصديقا ويقينا بجرأتهم على عدوهم ويقينهم بربهم واستجابتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل : ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : { فزادهم إيمانا } على إثر قوله عز وجل { الذين قال لهم الناس إن الناس قد أجمعوا لكم فاخشوهم } وقول ذلك قول لا يحتمل أن يزيد الإيمان ، وليس كقوله عز وجل : { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } ( الأنفال 2 ) لأنها حجج والحجج تزيد التصديق أو تحدث أو تدعو إلى الثبات على ذلك فيزيد الإيمان ، فقولهم : { فاخشوهم } كيف يزيد ؟

قيل يخرج ذلك والله أعلم على وجوه :

أحدهما : أنهم إذا علموا أنهم أهل النفاق{[4593]} وأنهم يخوفون بذلك ، وقد كان وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنيعهم فكذبوهم بذلك وأقبلوا نحو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إجابة لأمره وتصديقا لوعده ومجانبة لاغترارهم بأخبار أعدائه والنزول على قولهم فكان ذلك منهم اسما{[4594]} زائدا في أسمائهم مع ما في تكذيبهم ذلك نحو قوله عز وجل : { فأما الذين في قلوبهم زيغ } الآية ( آل عمران 7 ) إنه إذا كان تكذيب المكذب بالآيات لذلك يزيد إيمانا والله أعلم .

والثاني : أن يكون رسول الله صلى الله عليه سلم أخبرهم بتفرق أعداء الله وتثبت أمرهم وأخبرهم المنافقون بالاجتماع فصاروا إلى ما نعتهم به رسول الله فوجدوا الأمر على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ذلك من أنباء الغيب } ( آل عمران 44 ) والإنباء عن الغيب من أعظم آيات النبوة فزادهم ذلك إيمانا والله أعلم كقوله{[4595]} عز وجل { أفمن اتبع رضوان الله } الآية ( آل عمران 162 ) .

والثالث : لا اغتروا{[4596]} بقول المنافقين ولا قصدوا لذلك ، ولا ضعفوا فأنزل الله سكينته على قلوبهم ليزيدهم بذلك إيمانا كقوله تعالى : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } الآية ( الفتح 4 ) وبالله التوفيق .

ثم معنى زيادة الإيمان يخرج على وجوه :

أحدهما : نحو الابتداء في حادث الوقت إذ له حكم التجدد في حق الأفعال بما هو للكفر به تارك وعلى ذلك قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } الآية ، فيكون ذلك بحق الزيادة على ما مضى وإن كان بحق التجدد في حق الحادث الفرد .

والثاني : أن يكون له الثبات عليه إذ حجج الشيء توجب لزومه والدوام عليه فسمي ذلك زيادة ويحتمل أن يكون يزداد في أمره بصيرة وعلى ما رغب فيه إقبالا ( ولحقوقه مراعاة ) {[4597]} فيكون في ذلك زيادة في قوته أو في نوره أو بزينته وتمامه وذلك أمر معروف .

والثالث{[4598]} : أن يكون ذلك داعيا{[4599]} إلى محافظة حقوق التمسك بأدلته والوفاء بشرائطه فيزيد بذلك فضله كما عدت صلاة واحدة في التحقيق ألفا بما في ذلك من حفظ الحقوق ومراعاتها والله أعلم .

وقوله تعالى : { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فزعوا إلى الله تعالى بما رأوا من صدق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وظهور كذب قول المنافقين لهم { إن الناس قد جمعوا لكم } الآية أو قالوا ذلك عند قول المنافقين إياهم : { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } فوضوا أمرهم إلى الله تعالى وسلموا لما رأوا النصر منهم بكل ما يصيبهم بقوله عز وجل { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون } ( البقرة 156 ) مدحهم الله عز وجل بما رأوا أنفسهم لله . فكذلك هذا{[4600]} .


[4592]:في الأصل: بذلك في و م وذلك.
[4593]:من م في الأصل النار.
[4594]:في الأصل و م: ذلك.
[4595]:في الأصل و م: قوله.
[4596]:في الأصل و م: يغتروا.
[4597]:في الأصل لحوقه من إعادة في م ولحوقه مراعاة.
[4598]:في الأصل و م: ويحتمل.
[4599]:في الأصل و م: داع.
[4600]:أدرج بعد هذه الكلمة في الأصل و م العبارة التالي: وقوله تعالى {والله ذو فضل عظيم} أي ذو فضل عظيم يدفع المشركين عن المؤمنين ومحل هذه العبارة بعد: رجعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم