تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ فَنَادَواْ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ} (3)

قيل في قوله : { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ } بوجهين :

أحدهما : إن هذا في كل كافر ومشرك ، ينادي عند موته وهلاكه ، ويسأل ربه الرجوع والعود إلى الدنيا ليؤمن كقوله : { رب ارجعون }{ لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة }[ المؤمنون : 99/100 ] وكقوله : { رب لولا أخرتني إلى أجل قريب }الآية [ المنافقون : 10 ] ونحوه . لكن لا ينفع ذلك النداء والغوث والسؤال للتأخير على ما أخبر أنه إذا { جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون }[ الأعراف : ب 34 والنحل : 61 ] .

والثاني : هذا في الجملة في الأمم التي أهلكت من قبل ، واستؤصلت بالتكذيب والعناد ؛ كانوا ينادون عند نزول العذاب بهم ووقوعه عليهم ، ويسألون الغوث ، ويظهرون الإيمان كقوله عز وجل : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده } [ غافر : 84 ] لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت على ما أخبر الله عز وجل لأنه إيمان دفع للعذاب واضطرار لا إيمان اختيار وتخوف . فهذا حال أهل مكة إن نزل بهم ما نزل بأولئك ، ويندمون على صنعهم كما ندم أولئك ، والله أعلم .

ثم قوله عز وجل { ولات حين مناص } هو في الأصل : ولا . فإذا وصل ب : حين صار : ولات ؛ كأنه تحين والله أعلم وهو قول الكسائي .

وقال بعضهم : ولات يحين بالياء ، وقد قرئ بالتاء تحين والوقف عليها ، ثم يبتدأ قوله : { حين مناص } وابن عباس رضي الله عنه يقول : ليس بحين مغاث . وقيل ليس بحين مغاث . وقيل : ليس بحين يجزع ، والله أعلم .