تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

الآية 16 وقوله تعالى : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } قال بعضهم : أي ظاهرون ، لا شيء هنالك يسترهم ، أي ترتفع يومئذ جميع السواتر ، وهو كقوله تعالى : { قاعًا صفصفًا } { لا ترى فيها عِوجًا ولا أَمْتًا } [ طه : 107 و108 ] أي لا شيء يُستر فيها ؛ يذكر هذا لأن من الناس من يقول : تستر الأشياء عن الله تعالى بالسواتر ردًّا لقولهم .

ويحتمل أن يكون قوله : { يوم هم بارزون } سمى ذلك اليوم مما يتفقون جميعا ، ويقرّون بالكلمة التي اختلفوا في الدنيا فيها ، فيبرزون جميعا متّفقين مقرّين بتلك الكلمة يومئذ ، وهي كلمة التوحيد ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون سمّاه يوم البروز والمصير والرجوع وما ذكر أن المقصود من إنشاء الدنيا وما فيها من حكمة لما عرف أن الإنشاء للإفناء خاصة ليس بحكمة ، فخصّ ذلك اليوم بما ذكرنا ، وإن كانوا في جميع الأحوال بارزين إليه ظاهرين له ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } ظاهر ، وهو ردٌّ لقول من يقول : إن شيئا يستر على الله ، تعالى [ تعالى الله ]{[18189]} عن ذلك علوًّا كبيرًا .

وقوله تعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } قال عامة أهل التأويل : إذا أهلك الله تعالى أهل الأرض وأهل السماء ، فلم يبق أحد إلا الله تعالى . فعند ذلك يقول : { لمن المُلك اليوم } فلا يجيبه أحد فيقول في نفسه { لله الواحد القهّار } .

لكن هذا بعيد لا يحتمل أن يقول : { لمن الملك اليوم } ولا أحد سواه ، ويجيب نفسه { لله الواحد القهار } لما لا حكمة في ذلك أن يسأل نفسه ، ثم يجيبها .

لكن الوجه فيه ، والله أعلم ، أنه إنما يقول لهم ذلك إذا بعثهم ، وأحياهم : { لمن الملك اليوم } فيقول الخلائق له بأجمعهم { لله الواحد القهار } يقرّون له جميعا يومئذ بالملك والربوبية ، وإن كان بعض الخلائق في الدنيا قد نازعوه في الملك فيها ، وادّعوا لأنفسهم . فيقرّون له جميعا يومئذ أن المُلك في الدنيا والآخرة لله تعالى ، والله أعلم .


[18189]:ساقطة من الأصل وم.