تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ} (15)

الآية 15 وقوله تعالى : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : رفيع السماوات درجة على درجة وطبقا على طبق على ما رفعها واحدة على أخرى .

والثاني : قوله : { رفيع الدرجات } أي درجات أهلها ومنازلهم التي جعلها لهم في الآخرة على تفضيل بعضهم على بعض في الدرجات كقوله تعالى : { انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض } في الدرجات { وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا } [ الإسراء : 21 ] .

أخبر أنه فضّل بعضا على بعض في الدرجات . فجائز أن يكون ما ذكر من رفع الدرجات هو رفع السماوات درجة فدرجة ، فهو إخبار عن قدرته وسلطانه أنه من قدر على رفع السماوات في الهواء وإقرارها فيه بلا سبب من أسباب إمساكها من التعليق بشيء من ثقلها وغلظها ، ولا شيء يقرّ في الهواء بحيث لا ينحطّ ، ولا يتسفّل ، ولا يرتفع عن مكانه{[18182]} بلا سبب من الأسفل والأعلى ، لا يحتمل أن يعجزه شيء ، أو يخفى عليه شيء ، أو يمنعه عما يريد ، والله أعلم .

وإن كان المراد بالدرجات التي تُجعل لأهلها في الآخرة إنما يستوجبونها بالله تعالى بأعمال ، تكون لهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ } اختلف فيه .

قال بعضهم : هو جبرائيل عليه السلام { يلقي } أي ينزل الوحي والنبوّة على من يشاء من عباده كقوله : { نزل به الروح الأمين } { على قلبك } [ الشعراء : 193 و194 ] أخبر أنه أمين ليعلم أنه ليس في إنزاله غلط ولا شيء مما قاله بعض الرّوافض أنه بعث إلى فلان ، وأدّاه إلى غيره .

وقال بعضهم : الروح ههنا ، هو الوحي والرسالة ؛ يقول : { يلقي } وهو الوحي على من يختار ، ويصطفي من عباده ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } اختلف فيه :

قال بعضهم : يوم يلقى أهل الأرض أهل السماء . وقال بعضهم : يوم يلقى الآخرون الأولين{[18183]} .

وجائز أن يكون قوله : يلقى الإنسان عمله وأفعاله التي عملها ، والله أعلم .

وقالت الباطنية : أي يوم تلقى الصّور المتولّدة من الأجساد بأعمال الخير والشر التي كانت لهم في الدنيا الصور التي كانت لهم روحانية ؛ لأن من مذهبهم أن من مات منهم بحدث ، ويتولد بالأعمال التي كانت لهم من الخير صُورٌ روحانية ؛ تلقى هذه الصورة الحادثة المتولّدة من الأجساد [ بعد الموت ويكون البعث عندهم للأرواح ، فتتّصل هذه الأرواح النورانية بالنور الصِّرف ، ويستدلّون بقوله : { يوم هم بارزون } أي تبرز تلك الصور الروحانية من الأجساد ]{[18184]} إذ الخلائق كلهم في جميع الأحوال والأوقات بارزون ظاهرون لله تعالى ، ثم يكونون في وقت مستورين /475 – ب/ عنه .

ولكن هذا فاسد لأنه لو كان الأمر على ما يقوله الباطنية لكانت الأنفس إذا نامت ، وخرجت منها الصور الروحانية ، فرأت رؤيا ، كانت تراها مختلطة غير متحقّقة ، وفي حالة اليقظة تراها متحققة غير مختلطة ، دلّ أن الإدراك للأجساد بواسطة الصور الروحانية يجب أن يكون البعث للكل ، والله أعلم .

ولكن الوجه في ذلك ما ذكرنا . وأصله أنه سمّى ذلك اليوم على ما سمّى يوم الجمع{[18185]} ويوم التغابن{[18186]} ويوم الحشر{[18187]} وغير ذلك . سمّى اليوم على أسماء مختلفة : [ سمّى ]{[18188]} كل اسم من تلك لمعنى غير المعنى الآخر ، والله أعلم .


[18182]:في الأصل وم: أماكنها.
[18183]:في الأصل وم: الأولون.
[18184]:من م، ساقطة من الأصل.
[18185]:الشورى: 7 والتغابن: 9.
[18186]:التغابن: 9
[18187]:الحشر: 2.
[18188]:ساقطة من الأصل وم.