وقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً )
أخبر الله تعالى أن صيده وطعامه حلال للمحرم . ثم اختلف أهل التأويل في تأويله ؛ قال بعضهم : صيده ما صيد ، وطعامه ما قذف البحر . كذلك روي عن عمر رضي الله عنهم أنه قال : صيده ما صيد ، وطعامه ما قذف . وعن أبي بكر وابن عباس رضي الله عنه [ أنهما ][ ساقطة من الأصل وم ] قالا : طعامه ما قذف ، وقال بعضهم : صيده ما أخذ طريا ، وطعامه : ما تزودت في سفرك .
ثم يجيء على قول أصحاب الظواهر أن يكون كل صيد البحر وطعامه حلالا مباحا بظاهر قوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه )الآية . وكذلك ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «هو الطهور ماؤه والحل ميتته »[ أبو داوود83 ] إنه لم يخص ميتة دون ميتة ولا طعاما دون طعام ، غير أن المراد عندنا رجع إلى السمك خاصة ما روي عنه صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «أحلت لنا ميتتان ودمان »[ أحمد : 2/97 ] أما الميتتان فالجراد والسمك . دل الخبر أن المراد من الآية والخبر رجع إلى السمك ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : بهيمة[ في الأصل وم : بهمة ] لا يحل لك أن تصيده ، ولا أن تأكله . وروي عن علي رضي الله عنه وهو محرم ، أنه دعي إلى طعامه ، فقرب إليه بعقاب[ في الأصل وم : يعاقب ] وحجل . فلما رأى ذلك علي قام ، وقام معه ناس ، فقيل لصاحب الطعام : ما قام هذا ومن معه إلا كراهية لطعامك ، فأرسل إليه ، فجاء ، فقال : ما كرهت من هذا ، ما أشرنا ، ولا أمرنا ، ولا صِدْنا قال علي رضي الله عنه ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) ثم انطلق .
وعن عثمان رضي الله عنه مثله ، وقريب[ في الأصل وم : وقريبا ] ، منه .
وأما عندنا فإنه يحل للمحرم أن يأكل لحم الصيد إذا لم يصد هو ، ولا صيد له ، ما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض الطريق بمكة يختلف مع أصحاب له محرمين ، وهو غير محرم ، فرأى حمار وحش ، فاستوى على فرسه ، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطا ، فأبوا ، فسألهم رمحه ، فأخذ ، ثم اشتد على الحمار ، فقتله ، فأكل[ في الأصل وم : فأكله ] منه بعض أصحابه ، وأبى بعضهم . فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك ، فقال : إنما هي طعمة أطعمكموها الله سبحانه ، وقال : هل معكم من لحمه شيء ؟
وفي خبر آخر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه [ أنه ][ ساطقة من الأصل وم ] قال : عقر أبو قتادة حمار وحش ، ونحن محرمون ، وهو حلال ، فأكلنا منه ، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي خبر آخر عن أبي قتادة رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : أني أصبت حمار وحش ، وعندي منه ، فقال للقوم : كلوا ، وهم محرمون .
وفي بعض الأخبار عن جابر بن عبد الله [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : قال رسول الله صلى عليه وسلم : «صيد البر حلال لكم ، وأنتم حرم ، ما لم تصيدوه ، أو يصد لكم »[ أبو داوود1851 ] رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أكل لحم الصيد للمحرم ، إذا لم يصد ولم يصد له . وبذلك أخذ أصحابنا .
وفي الآية دليل لقولنا ، وهو قوله تعالى : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم )[ الآية : 95 ] وقال تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )[ الآية : 96 ] فمنعنا ، والله أعلم ، اصطياده . ألا ترى أن صيد ما لا يؤكل محظور ؟ فدل ذلك على أن الآية نزلت في الاصطياد لا في أكل لحمه ؛ لأن لحم الصيد من أن يصاد ؛ فالتحريم غير واقع عليه ، ليس كالبيض قد يصير صيدا ، واللحم ليس كذلك ، ولأن المحرم لو أتلف البيض غرم قيمتها ، ولو[ في الأصل وم : ولم ] أتلف لحم الصيد لم يضمن شيئا . فمن الضمان منع عن أكله ، وما لم يلزمه لا ، ولأنه لو حرم على المحرم التناول من لحم صيد ، صاده حلال [ لوجب أن يحرم ][ في الأصل : ليجب أن يخرج ، في م : ليجب أن يحرم ] على أهل مكة التناول منه ؛ إذ هم أهل حرم الله ، وذلك بعيد .
فأخذ أصحابنا ، رحمهم الله تعالى ، بما روينا من الأخبار [ والأحاديث عن ][ في الأصل وم : وعن ] رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل[ في الأصل وم : من ] حديث أبي قتادة وغيره ، وربما دل عليه ظاهر الكتاب ، وهو قول عمر وعثمان وغيرهما[ في الأصل وم : وغيره ] رضي الله عنهم .
فإن قيل : روي عن ابن عباس رضي الله عنهم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرم عن لحم الصيد ، وفي خبر آخر عن زيد بن أرقم رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عضو[ في الأصل وم : عضوا ] من لحم صيد ، فرده ، فقال : إنا حرم لا نأكله »[ مسلم1195 ]وفي خبر آخر «أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن محرم ، أتي بلحم صيد[ فقال : لا يأكل ][ في الأصل وم : قال لا نأكله ] منه » .
لكن هذا الحديث يجوز أن يحمل على أن كان صيدا بعد أن أحرم أن يكون صيد من أجله . وإذا صيد من أجله لم يحل له أكله . دليله من خبر عثمان رضي الله عنه : ما أمرت بصيد ، ولا صيد من أجلي ، وخبر جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «لحم صيد البر حلال لكم ، وأنتم حرم ، ما لم تصيدوه ، أو يصد لكم »[ أبو داوود1851 ] .
ثم المسألة في معرفة صيد البر من البحر . قال بعضهم : ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصده ، وما كانت[ في الأصل وم : كان ] حياته في الماء فذاك البحري . وقال آخرون : أكثر ما يكون في الماء حتى يفرخ . وقال غيرهم : صيد البر هو الذي أخذه الصائد حيا ، فمات في يده لم يحل [ ولا يحل إلا إذا أدرك زكاته بتزكيته ][ في الأصل : إذا أدرك زكاته إلا بتزكيته ، في م : ولا يحل إذا أدرك زكاته بتزكيته ] . فكل ما كانت هذه صفته فهو البري ، وإن كان يعيش في الماء ، وما كان الصائد أخذه حيا ، وهو يعيش في الماء ، فمات في يده ، أكله ، فذلك صيد البحر ، وذلك السمك .
وفي ذلك وجه آخر ؛ وهو أن كل ما ألقاه البحر ، وقذفه ، فمات ، فحل لنا أكله ، فذلك طعامه . وما لم يحل أكله فليس بطعامه . فما كان طعامه ، وألقاه فمات ، فهو إذن صيد البحر . وما لا يحل كله ، إذا ألقاه ، فليس بصيد البحر إذا صيد لأن الله تعالى أباح صيد البحر وطعامه . فما ليس /140-ب/ بطعامه إذا ألقاه ، فمات ، فليس بصيد إذا أخذه حيا ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( واتقوا الله ) في استحلال قتل الصيد في حال الإحرام بعد النهي . أو اتقوا الله في كل ما لا يحل ( الذي إليه تحشرون ) فتجزون بأعمالكم إن خيرا فخير ، وإن شر فشر .
ويحتمل قوله تعالى : ( إليه تحشرون ) أي إلى حكمه تصيرون كقوله تعالى : ( وله الحكم وإليه ترجعون )[ القصص : 70 ] والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.