تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلصَّيۡدِ تَنَالُهُۥٓ أَيۡدِيكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (94)

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد )

وليس فيه بيان أنه ابتلى بالأمر فيه أو بالنهي ، لكن بيانه في آية أخرى ؛ إنما كان الابتلاء بالنهي عن الاصطياد بقوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا )[ الآية : 2 ] . ودل هذا على أن المحرم كان منهيا عن الاصطياد بقوله : ( وإذا حللتم ) ، وأن الابتلاء الذي ذكر في الآية كان بالنهي عن الاصطياد ، والله أعلم .

ثم اختلف في الآية : قال بعضهم : النهي ( بشيء من الصيد ) لأهل الحرم . ألا ترى أنه روي في الخبر [ أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ][ في الأصل وم : قال ] : «لا ينفر صيدها » . وأما المحرم فإنما نهي عن الاصطياد بقوله تعالى : ( وإذا حللتم فاصطادوا )[ الآية : 2 ] ، وبقوله تعالى : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم )[ الآية : 95 ] .

وقال آخرون : الابتلاء بالنهي عن الاصطياد للمحرمين ، وفي قوله تعالى : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم )[ الآية : 95 ] نهى عن قتله . وهناك نهي عن أخذه بقوله تعالى : ( تناله أيديكم )[ الآية : 94 ] وقوله تعالى : ( بشيء من الصيد ) أي في بعض الصيد دون بعض ، لأن المحرم لم ينه عن أخذ صيد البحر بقوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر ) وقوله[ في الأصل وم : وقال ] تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )[ الآية : 96 ] . فذلك معنى قوله تعالى : ( بشيء من الصيد ) ، والله أعلم .

ويحتمل على التقديم والتأخير ، كأنه قال : ليبلونكم الله بشيء تناله أيديكم ورماحكم من الصيد ، والله أعلم .

ثم اختلف في قوله تعالى : ( تناله أيديكم ) قال بعضهم : ما تناله الأيدي هو البيض ، وعلى هذا يخرج قولنا : إن المحرم منهي عن أخذ البيض . فإن أخذ بيضا فإن عليه الجزاء .

والذي يدل على ذلك ما روى أبو هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قال/139-أ/ رسول الله صلى الله عليه وسلم «في بيض النعام صيام يوم أو إطعام مسكين »[ البيهقي في الكبرى5/207 ] وعن كعب بن عجوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بيض نعام أصابه محرم بيمينه ، وعن ابن عباس رضي الله عنه بثمنه[ في الأصل وم : ثمنه ] أو قيمته . وعن ابن مسعود رضي الله عنه مثله .

وقال بعضهم : ( تناله أيديكم ) هو صيد الصغار ، وهي الفراخ التي لا تطير ، فيؤخذ بالأيدي .

وقوله تعالى : ( ورماحكم ) قال بعضهم : ما رميت ، وطعنت . وقيل في قوله تعالى : ( تناله أيديكم ) ما يؤخذ بغير سلاح ( ورماحكم ) ما يؤخذ بالسلاح من نحو النبل والرماح وغيرهما من السلاح .

ثم في الآية دلالة أن المحرم قد نهي عن أخذ الصيد ، وكذلك في قوله تعالى : ( فاصطادوا )[ الآية : 2 ] والاصطياد هو الأخذ لا القتل . وإنما النهي عن القتل في قوله تعالى : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم )[ الآية : 95 ] .

وقوله تعالى : ( ليعلم الله من يخافه بالغيب ) ليعلم ما قد علم أنه يكون كائنا ، أو يقال : ليعلم ما قد علم غائبا عن الخلق شاهدا كقوله تعالى : ( عالم الغيب والشهادة ) الآية[ الأنعام : 73و . . . ] .

وقوله تعالى : ( من يخافه بالغيب ) اختلف فيه : قال بعضهم : ( يخافه بالغيب ) بغيب الناس أي يخافه وإن لم يكن بحضرته أحد . وقال آخرون : يخاف العذاب بالإخبار ، وإن لم يشهد ، ويصدّق . والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فمن اعتدى بعد ذلك ) أي من استحلّ قتل الصيد بعد ما ورد النهي والتحريم ( فله عذاب أليم ) إن شاء عذّب ، وإن شاء عفا . وإذا عذب كان عذابه أليما .