تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٞ وَرِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغۡفَرُ لَنَا وَإِن يَأۡتِهِمۡ عَرَضٞ مِّثۡلُهُۥ يَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ يُؤۡخَذۡ عَلَيۡهِم مِّيثَٰقُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (169)

الآية 169 وقوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف } قال قائلون : هو صلة قوله تعالى : { منهم الصالحون ومنهم دون ذلك } والصالحون هم الذين آمنوا بالله ، وحفظوا حدوده وحلاله وحرامه { فخلف من بعدهم خلف } يعني الصالحين { خلف } من لم يحفظوا حدوده ومحارمه .

وقال قائلون : هو صلة ما تقدم من ذكر الأنبياء والرسل ؛ كأنه أخبر أنه خلف { من بعدهم خلف } يعني خلف الرسل والأنبياء ، ورثوا الكتاب ، وهو كما ذكر في سورة مريم ، وهو قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } [ الآية : 59 ] وإنما ذكر الأنبياء والرسل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ورثوا الكتاب } وعلموا ما فيه { يأخذون عرض هذا الأدنى } إن أهل الكتاب كانوا يأخذون الدنيا على أحد وجوه ثلاثة : منهم من كان يأخذها مستحلاّ لها كقوله تعالى : { أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } [ مريم : 59 ] وكقوله تعالى : { إن كثيرا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله } [ التوبة : 34 ] ومنهم من كان يأخذها بالتبديل ؛ أعني تبديل الكتاب [ كقوله تعالى ]{[9076]} : { لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب } الآية : [ آل عمران : 78 ] وقوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا } [ البقرة : 79 ] ومنهم من كان [ تناول على ما ]{[9077]} تناول أهل الإسلام على قدر{[9078]} الحاجة . وهذا لا يحتمل الأخذ إلا أخذ الاستحلال أو التبديل .

والأخذ بالاستحلال ههنا أقرب ؛ كانوا { يأخذون عرض هذا الأدنى } مستحلّين له { ويقولون سيغفر لنا } ويحتمل{[9079]} هذا [ وجهين :

أحدهما ]{[9080]} : يحتمل ما قالوا : { نحن أبناء الله وأحبّاؤه } [ المائدة : 18 ] فيغفر لنا ؛ كانوا يستحلّون أموال الناس ، ويأخذونها ، ثم يقولون { سيغفر لنا } لأنّا أبناء الله وأحبّاؤه .

والثاني : يحتمل أنهم قالوا : { سيغفر لنا } مع علمهم أنه لا يغفر لهم لما في كتابهم ألاّ يغفر لهم إذا تناولوا مستحلّين ، أو أنهم إذا عوتبوا على ما فعلوا قالوا { سيغفر لنا } .

وقوله تعالى : { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه } يحتمل قوله تعالى : { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } أنهم إذا استحلّوا ذلك أضافوا ذلك إلى الله [ بقولهم ] : { والله أمرنا بها } [ الأعراف : 28 ] فقال : { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } أي لا يضيفون إلى الله ما استحلّوا ، أو أن يقال : أخذ بعضهم ألا يقولوا { نحن أبناء الله وأحبّاؤه } [ المائدة : 18 ] .

وقال بعضهم : قوله تعالى : { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } في ما يوجبون على الله من مغفرة ذنوبهم التي لا يزالون يعودون لها ، ولا يتوبون عنها .

وقال{[9081]} بعضهم : قوله تعالى : { يأخذون عرض هذا الأدنى } قال : يأخذونه إن كان حلالا أو حراما { وإن يأتيهم عرض مثله يأخذوه } وقال : قوله تعالى : { فخلف من بعدهم خلف } سوء { ورثوا الكتاب } بعد أنبيائهم ، ورّثهم الله الكتاب ، وعهد إليهم في سورة مريم : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } [ الآية : 59 ] { يأخذون عرض هذا الأدنى } وهو ما ذكرنا .

وقال القتبيّ : الخلف الرديء من الناس ومن الكلام ؛ يقال : هذا خلف من القول .

وقوله تعالى : { ودرسوا ما فيه } أي قرؤوا ما فيه ، وعلموه { والدار الآخرة خير للذين يتّقون أفلا تعقلون } أي يتقون الشرك ، أو يتقون مخالفة الله ومعاصيه { أفلا تعقلون } ما في كتابهم أن ترك مخالفة الله خير في الآخرة .


[9076]:ساقطة من الأصل وم.
[9077]:من م، ساقطة من الأصل وم.
[9078]:من م، في الأصل: قدره.
[9079]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[9080]:في الأصل وم: وجوها.
[9081]:الواو ساقطة من الأصل وم.