تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي ظِلَٰلٖ وَعُيُونٖ} (41)

الآية 41 : وقوله تعالى : { إن المتقين في ظلال وعيون } فالمتقون هم الذين اتقوا عذاب الله تعالى ، قال الله تعالى : { واتقوا النار التي أعدت للكافرين }[ آل عمران : 131 ] وقال في آية أخرى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا }[ التحريم : 6 ] وقال : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [ البقرة : 201 ] فهذا هو التقوى .

ثم إن أهل التوحيد أقروا بالعذاب ، فاجتهدوا في اتقائه ، فقيل لهم : انطلقوا إلى ظلال وعيون ، وأهل النار كانوا مكذبين بالعذاب / 622 – أ/ فقيل لهم : { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون }[ الآية : 29 ] من العذاب .

ثم أخبرنا بالوجه الذي يقع به الاتقاء ، فقال : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا }[ فاطر : 6 ] وأمرنا بالانتصاب لمحاربته ، ثم علمنا وجه المحاربة بقوله : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم }[ الأعراف : 200 ] وقوله{[22979]} : { وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين }[ المؤمنون : 97 ] وقوله{[22980]} : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار }[ البقرة : 201 ] فألزمنا الفزع إليه ، وبين أنا لا تقوى على[ محاربة الشيطان ]{[22981]} إلا بالابتهال إليه والفزع .

ثم يحتمل أن يكون الاتقاء ههنا منصرفا إلى التصديق خاصة لأنه ذكر الاتقاء ههنا مقابل التكذيب في الأولين . وجائز أن يكون منصرفا إلى المصدقين بالأقوال والموقنين بالأعمال ؛ فالمتقي هو الذي اتقى إساءة صحبة نعم الله تعالى ، فوقاه الله تعالى شر يوم القيامة مجازاة له ، والمحسن هو الذي أحسن صحبة نعمه ، فأحسن الله مُنقلبه ، وأحله بدار كرامته في ظلال وعيون وفواكه ، والمتقي هو الذي وقى نفسه عن الهلاك ، فوقاه الله تعالى يوم القيامة ، والمحسن هو الذي أحسن إلى نفسه ، وهو الذي استعملها في طاعة الله تعالى[ فأحسن ]{[22982]} إليه بما أنعم عليه من الظلال والعيون .

ثم أخبر أنهم في ظلال ، لأن الظلال مما ترغب إليه الأنفس في الدنيا لأنها تدفع عنهم أذى الحرّ والبرد والمطر ، وهي لا تحول أيضا [ بين ]{[22983]} أذى الرياح وغير ذلك ، وظلال الأشجار والحيطان تدفع أذى الحر ، وظلال البنيان تدفع أذى الحرّ والبرد والمطر ، وهي لا تحول أيضا بين المرء والأشياء عن أن يدرك حقائقها ، فعظمت النِّعمة في الظلال ، ووقعت إليها الرغبة في الدنيا ، فقال : { إن المتقين في ظلال وعيون } وقال : { وظل ممدود } { وماء مسكوب }[ الواقعة : 30و31 ] .

ثم الأنفس إذا أوت إلى الظلال اشتهت أن تتمتع به الأبصار ، وأعظم ما تتلذذ به الأبصار أن يكون نظرها إلى المياه الجارية ، فأخبر أنهم في ظلال وعيون .


[22979]:في الأصل و م: وقال الله.
[22980]:في الأصل و م: وقال.
[22981]:في الأصل و م: محاربته.
[22982]:ساقطة من الأصل و م.
[22983]:في الأصل وم: و