النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{هَٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (39)

قوله عز وجل : { هذا عطاؤنا . . . } في المشار إليه بهذا ثلاثة أقاويل :

أحدها : ما تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بتسخير الريح والشياطين .

فعلى هذا في قوله { فامنن أو أمسك بغير حساب } وجهان :

أحدهما : امنن على من شئت من الجن بإطلاقه ، أو أمسك من شئت منهم في عمله من غير حرج عليك فيما فعلته بهم ، قاله قتادة والسدي .

الثاني : اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم .

{ بغير حساب } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : بغير تقدير فيما تعطي وتمنع حكاه ابن عيسى .

الثاني : بغير حرج ، قاله مجاهد .

الثالث : بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة ، قاله سعيد بن جبير .

قال الحسن : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان فإن الله تعالى يقول : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } وحكى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { هذا عطاؤنا } الآية .

قال سليمان عليه السلام : أوتينا ما أوتي الناس وما لم يؤتوا ، وعلمنا ما علم الناس وما لم يعلموا ، فلم نر شيئاً هو أفضل من خشية الله في الغيب والشهادة ، والقصد في الغنى والفقر ، وكلمة الحق في الرضا والغضب .

والقول الثاني : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك ، فعلى هذا في قوله فامنن أو أمسك وجهان :

أحدهما : بغير جزاء .

الثاني : بغير قلة .

والقول الثالث : إن هذا إشارة إلى مضمر غير مذكور وهو ما حكي أن سليمان كان في ظهره ماء مائة رجل وكان له ثلاثمائة امرأته وسبعمائة سرية فقال الله تعالى { هذا عطاؤنا } يعني الذي أعطيناك من القوة على النكاح { فامنن } بجماع من تشاء من نسائِك { أو أمسك } عن جماع من تشاء من نسائِك . فعلى هذا في قوله بغير حساب وجهان :

أحدهما : بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو عزلت .

الثاني : بغير عدد محصور فيمن استبحت أو نكحت . وهذا القول عدول من الظاهر إلى ادعاء مضمر بغير دليل لكن قيل فذكرته .