تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هَٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمۡنُنۡ أَوۡ أَمۡسِكۡ بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (39)

قوله تعالى : { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال عامة أهل التأويل : هذا في الشياطين التي ذكر أنه سخرها له في العمل { وآخرين } في جعله إياهم { في الأصفاد } خيره بين أن يمن على من يشاء منهم ، فيخلي سبيله ، وبين أن يمسك من شاء منهم ، فلا يخلي سبيله .

وقال بعضهم : ذلك التخيير في الشياطين وفي جميع ما أعطاه له من الملك ؛ يقول : إن شئت تمن ، فتعطيه من شئت ، وإن شئت أمسكت ، فلا تعطي أحدا شيئا ، ولا تبعة عليك في ذلك الإعطاء ولا في الإمساك ، والله أعلم .

وجائز أن يكون لا على التخيير . ولكن امتحنه بالإعطاء لقوم والمنع عن قوم ، فيقول : { هذا عطاؤنا فامنن } أي أعط ، وابذل لمن أمرت ، وامتحنت بالإعطاء من كان أهلا لذلك ، وأمسك عمن ليس هو بأهل لذلك ، ومن لم تؤمر بدفعه أليه ، وهو كقوله عز وجل : { إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا } [ الكهف : 86 ] أن ليس على التخيير ، ولكن على تعذيب من هو أهل للعذاب مستحق له واتخاذ الحسن في من كان أهلا على ما بين في ذلك ، وأظهر في الآية حين قال عز وجل : { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا } { وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى } [ الكهف : 87و88 ] فعلى ذلك يحتمل الأول ، والله أعلم .

وقال الحسن : قوله عز وجل : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } يقول : هذا ملكنا الذي أعطيناك ، يقول : أعط منه ما شئت ، وامنع منه ما شئت ، لا تبعة عليك فيه في الآخرة ، وهو قريب مماذكرنا في أجد التأويلين .

قال قتادة : احبس منهم من شئت في وثاقك وعذابك ، وسرح منهم من شئت ، لا حساب عليك في ذلك . وهو قريب مما ذكرنا في أحد التأويلين .

رجع أحدهما إلى الشياطين خاصة في الحبس في العمل من شاء منهم والتسريح لمن شاء منهم ، والآخر إلى كل ما أعطاه من الملك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { بغير حساب } أي أعطاه له من الملك ما لا يجب من الكثرة والعدد .