جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا مثل ضربه الخصم المتسوّرون على داود محرابه له...
"إنّ هَذَا أَخي": أي على ديني، "لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ولي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ"...
وقوله: "فقالَ أكْفِلْنِيها "يقول: فقال لي: انزل عنها لي وضمها إليّ... وقوله: "وَعَزّنِي فِي الخِطابِ": يقول: وصار أعزّ مني في مخاطبته إياي، لأنه إن تكلم فهو أبين مني، وإن بطش كان أشدّ مني فقهرني... عن قتادة: "وَعَزّني فِي الخِطابِ": أي ظلمني وقهرني.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يشبه أن تكون خصومة هؤلاء الملائكة عند داوود عز وجل وما كان منهم من القول والخصومة، ليتقرر ما كان منه من الهفوة والزلة ليعرف ذلك ويرجع عنها.
فإن قيل: كيف عوتب كل هذا العتاب حتى بعث الله الملائكة إليه بالخصومة عنده والتمسك بما ذكر وتقرير ذلك عنده، ثم أخبر أنه غفر له بعد طول المدة أن كان معذورا في ذلك غير مؤاخذ به؟ قيل: إن الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين، كانوا يؤاخذون بأدنى شيء كان منهم ما لا يؤاخذ غيرهم بذلك، بل يعد ذلك منهم من أرفع الخصال وأجلها، نحو ما عوتب يونس عليه السلام في خروجه من بين قومه ليسلم دينه أو نفسه، لكنه خرج بلا إذن كان له من الله، فعوتب لذلك. فعلى ذلك داوود عليه السلام وإنما فعل ذلك بلا إذن من الله عز وجل.
{أكفلنيها}... قال بعضهم: أكفلته أي أعطيته، وهو قول أبي عوسجة، وقال بعضهم: أي ضمها إلي، واجعلني كافلها، وهو قول القتبي.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَخِي} بدل من هذا أو خبر ل (إنّ) والمراد... أخوّة الصداقة والألفة، و أخوّة الشركة والخلطة؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الخلطاء} [ص: 24] كل واحدة من هذه الأخوات تدلي بحق مانع من الاعتداء والظلم...
اعلم أنهم لما أخبروا عن وقوع الخصومة على سبيل الإجمال أردفوه ببيان سبب تلك الخصومة على سبيل التفصيل...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
القضية -كما عرضها أحد الخصمين- تحمل ظلماً صارخاً مثيراً لا يحتمل التأويل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{إنَّ هذا أخِي} إلى آخرها بيان لجملة {خصمان بغى بعضنا على بعضٍ} وظاهر الأخ أنهما أرادا أخوّة النسب، وقد فرضا أنفسهما أخوين وفرضا الخصومة في معاملات القرابة وعلاقة النسب واستبقاء الصلات، ثم يجوز أن يكون {أخِي} بدلاً من اسم الإِشارة، ويجوز أن يكون خبر {إنَّ} وهو أولى؛ لأن فيه زيادة استفظاع اعتدائه عليه. {عَزّني}... أظهر في الكلام عزّة عليّ وتطاولاً، فجَعل الخطاب ظرفاً للعزّة مجازاً؛ لأن الخطاب دل على العزة والغلبة فوقع تنزيل المدلول منزلة المظروف وهو كثير في الاستعمال، والمعنى: أنه سأله أن يعطيه نعجته، ولمّا رأى منه تمنّعاً اشتدّ عليه بالكلام وهدّده، فأظهر الخصم المتشكي أنه يحافظ على أواصر القرابة فشكاه إلى الملك ليصدّه عن معاملة أخيه معاملة الجفاء والتطاول ليأخذ نعجته عن غير طيب نفس، وبهذا يتبين أن موضع هذا التحاكم طلب الإِنصاف في معاملة القرابة لئلا يفضي الخلافُ بينهم إلى التواثب فتنقطع أواصر المبرة والرحمة بينهم، وقد عَلم داود من تساوقهما للخصومة ومن سكوت أحد الخصمين أنهما متقاربان على ما وصفه الحاكي منهما، أو كان المدعَى عليه قد اعترف.
{ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب } هذه حكاية كلام أحد الخصمين ، والأخوة هنا أخوة الدين ، والنعجة في اللغة تقع على أنثى بقر الوحش وعلى أنثى الضأن ، وهي هنا عبارة عن المرأة ، ومعنى أكفلنيها أملكها لي وأصله اجعلها في كفالتي ، وقيل : اجعلها كفلي أي : نصيبي ، ومعنى عزني في الخطاب أي : غلبني في الكلام والمحاورة يقال : عز فلان فلانا إذا غلبه وهذا الكلام تمثيل للقصة التي وقع داود فيها . وقد اختلف الناس فيها وأكثروا القول فيها قديما وحديثا حتى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( من حدث بما يقول هؤلاء القصاص في أمر داود عليه السلام جلدته حدين لما ارتكب من حرمة من رفع الله محله ) ، ونحن نذكر من ذلك ما هو أشهر وأقرب إلى تنزيه داود عليه السلام : روي : أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته ، وكانت لهم عادة في ذلك لا ينكرونها ، وقد جاء عن الأنصار في أول الإسلام شيء من ذلك ، فاتفق أن وقعت عين داود على امرأة رجل فأعجبته فسأله النزول عنها ففعل وتزوجها داود عليه السلام فولد له منها سليمان عليه السلام ، وكان لداود تسع وتسعون امرأة فبعث الله إليه ملائكة مثالا لقصته ، فقال أحدهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة إشارة إلى التسع والتسعين امرأة التي كانت لداود ، ولي نعجة واحدة إشارة إلى أن ذلك الرجل لم تكن له إلا تلك المرأة الواحدة ، فقال : أكفلنيها إشارة إلى سؤال داود من الرجل النزول عن امرأته فأجابه داود عليه السلام بقوله : { لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه } فقامت الحجة عليه بذلك ، فتبسم الملكان عند ذلك وذهبا ولم يرهما ، فشعر داود أن ذلك عتاب من الله له على ما وقع فيه .
{ فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب } ولا تقتضي هذه القصة على هذه الرواية أن داود عليه السلام وقع فيما لا يجوز شرعا ، وإنما عوتب على أمر جائز كان ينبغي له أن يتنزه عنه لعلو مرتبته ومتانة دينه ، فإنه قد يعاتب الفضلاء على ما لا يعاتب عليه غيرهم كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وأيضا فإنه كان له تسع وتسعون امرأة فكان غنيا عن هذه المرأة فوقع العتاب على الاستكثار من النساء ، وإن كان جائزا ، وروي : هذا الخبر على وجه آخر ، وهو أن داود انفرد يوما في محرابه للتعبد فدخل عليه طائر من كوة فوقع بين يديه فأعجبه فمد يده ليأخذه فطار على الكوة فصعد داود ليأخذه فرأى من الكوة امرأة تغتسل عريانة فأعجبته ثم انصرف فسأل عنها فأخبر أنها امرأة رجل من جنده وأنه خرج للجهاد مع الجند فكتب داود إلى أمير تلك الحرب أن يقدم ذلك الرجل يقاتل عند التابوت وهو موضع قل ما تخلص أحد منه فقدم ذلك الرجل فقاتل حتى قتل شهيدا فتزوج داود امرأته فعوتب على تعريضه ذلك الرجل للقتل وتزوجه امرأته بعده مع أنه كان له تسع وتسعون امرأة سواها ، وقيل : إن داود هم بذلك كله ولم يفعله ، وإنما وقعت المعاتبة على همه بذلك ، وروي : أن السبب فيما جرى له مثل ذلك أنه أعجب بعلمه وظهر منه ما يقتضي أنه لا يخاف الفتنة على نفسه ففتن بتلك القصة ، وروي أيضا أن السبب في ذلك أنه تمنى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، والتزم أن يبتلى كما ابتلوا فابتلاه الله بما جرى له في تلك القصة .
ولما كانت هذه الدعوى بأمر مستغرب يكاد أن لا يسمعه أحد إلا أنكره ساق الكلام مؤكداً فقال : { إن هذا } يشير إلى شخص من الداخلين ، ثم أبدل منه قوله : { أخي } أي في الدين والصحبة ، ثم أخبر عنه بقوله : { له تسع وتسعون نعجة } ويجوز أن يكون { أخي } هو الخبر والتأكيد حينئذ لأجل استبعاد مخاصمة الأخ وعدوانه على أخيه ويكون ما بعده استئنافاً { ولي } أي أنا أيها المدعي { نعجة } ولما كان ذلك محتملاً لأن يكون جنساً أكده بقوله : { واحدة } ثم سبب عنه قوله : { فقال } أي الذي له الأكثر : { أكفلنيها } أي أعطنيها لأكون كافلاً لها { وعزني } أي غلبني وقوى عليّ واشتد وأغلظ بي { في الخطاب * } أي الكلام الذي له شأن من جدال وغيره بأن حاورني إلى أن أملّني فسكت عجزاً عن التمادي معه ، ولم يقنع مني بشيء دون مراده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.