روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّ هَٰذَآ أَخِي لَهُۥ تِسۡعٞ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةٗ وَلِيَ نَعۡجَةٞ وَٰحِدَةٞ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلۡخِطَابِ} (23)

{ إِنَّ هَذَا أَخِى } الخ استئناف لبيان ما فيه الخصومة ، والمراد بالاخوة أخوة الدين أو اخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله تعالى : { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ الخلطاء } [ ص : 24 ] وكل واحد من هذه الأخوات يدلي بحق مانع من الاعتداء والظلم ، وقيل : هي أخوة في النسب وكان المتحاكمان أخوين من بني إسرائيل لأن وام ، ولا يخفى أن المشهور أنهما كانا من الملائكة بل قيل لا خلاف في ذلك .

و { أَخِى } بيان عند ابن عطية وبدل أو خبر لأن عند الزمخشري ، ولعل المقصود بالإفادة على الثاني قوله تعالى : { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ واحدة } وهي الأنثى من بقر الوحش ومن الضأن والشاء والجبلي وتستعار للمرأة كالشاة كثيراً نحو قول ابن عون

: أنا أبوهن ثلاث هنه *** رابعة في البيت صغراً هنه ونعجتي خمساً توفيهنه

ألا فتى سحج يغذيهنه *** وقول عنترة :

يا شاة ما قنص لمن حلت له *** حرمت على وليتها لم تحرم

وقول الأعشى

: فرميت غفلة عينه عن شاته *** فاصبت حبة قلبها وطحالها

والظاهر إبقاؤها على حقيقتها هنا ويراد بها أنثى الضان ، وجوز إرادة الامرأة ، وسيأتي إن شاء تعالى ما يتعلق بذلك ، وقرأ الحسن . وزيد بن علي { تِسْعٌ وَتِسْعُونَ } بفتح التاء فيهما ، وكثر مجيء الفعل والفعل بمعنى واحد نحو السكر والسكر ولا يبعد ذلك في التسع لاسيما وقد جاور العشر ، والحسن . وابن هرمز { *ونعجة } بكسر النون وهي لغة لبعض بني تميم ، وقرأ ابن مسعود { وَلِى نَعْجَةٌ أنثى } ووجه ذلك الزمخشري بأنه يقال امرأة أنثى للحسناء الجميلة والمعنى وصفها بالعراقة في لين الأنوثة وفتورها وذلك أملح لها وأزيد في تكسرها وتثنيها ألا ترى إلى وصفهم لها بالكسول والمكسال ، وقوله

: فتور القيام قطيع الكلام *** لغوب العشاء إذا لم تنم

وقول قيس بن الخطيم

: تنام عن كبر شأنها فإذا *** قامت رويداً تكاد تنغرف

وفي الكلام عليه توفية حق القسمين أعني ما يرجع إلى الظالم وما يرجع إلى المظلوم كأنه قيل : إنه مع وفور استغنائه وشدة حاجتي ظلمني حقي ، وهذا ظاهر إذا كانت النعجة مستعارة وإلا فالمناسب تأكيد الأنوثة بأنها كاملة فيها فيكون أدر وأحلب لما يطلب منها على أن فيه رمزاً إلى ما وري عنه { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } ملكنيها ، وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي ، وقال ابن كيسان : اجعلها كفلى أي نصيبي ، وعن ابن عباس . وابن مسعود تحول لي عنها وهو بيان للمراد وألصق بوجه الاستعارة { وَعَزَّنِى } أي غلبني ، وفي المثل من عَزَّ بَزَّ أي من غلب سلب وقال الشاعر

: قطاة عزها شرك فباتت *** تجاذبه وقد علق الجناح

{ فِى الخطاب } أي مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أطق رده ، وقال الضحاك : أي إن تكلم كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني ، وقال ابن عطية : كان أوجه مني وأقوى فإذا خاطبته كان كلامه أقوى من كلامي وقوته أعظم من قوتي ، وقيل : أي غلبني في مغالبته إياي في الخطبة على أن الخطاب من خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطاباً أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني ، وهو قول من يجعل النعجة مستعارة ، وتعقبه صاحب الكشف فقال : حمل الخطاب على المغالبة في خطبة النساء لا يلائم فصاحة التنزيل لأن التمثيل قاصر عنه لنبو قوله : { وَلِى نَعْجَةٌ } عن ذلك أشد النبوة وكذا قوله : { أَكْفِلْنِيهَا } إذ ينبغي على ذلك أن يخاطب به ولي المخطوبة إلا أن يجعل الأول مجازاً عما يؤول إليه الحال ظناً والشرط في حسنه تحقق الانتهاء كما في { أَعْصِرُ خَمْرًا } [ يوسف : 36 ] والثاني مجاز عن تركه الخطبة ، ولا يخفى ما فيهما من التعقيد ، ثم إنه لتصريحه ينافي الغرض من التمثيل وهو التنبيه على عظم ما كان منه عليه السلام وأنه أمر يستحي من كشفه مع الستر عليه والاحتفاظ بحرمته انتهى فتأمل .

وقرأ أبو حيوة . وطلحة { وَعَزَّنِى } بتخفيف الزاي ، قال أبو الفتح : حذفت إحدى الزائين تخفيفاً كما حذفت إحدى السينين في قول أبي زيد :

أحسن به فهن إليه شوس *** وروي كذلك عن عاصم .

وقرأ عبد الله . وأبو وائل . ومسروق . والضحاك . والحسن . وعبيد بن عمير { وعازني } بألف بعد العين وتشديد الزاي أي وغالبني .