فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ هَٰذَآ أَخِي لَهُۥ تِسۡعٞ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةٗ وَلِيَ نَعۡجَةٞ وَٰحِدَةٞ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلۡخِطَابِ} (23)

وقد جاءك من أخبار نبينا داوود خبر المتخاصمين وقت أن دخلوا عليه وهو في محل خلوته ومكان مناجاته وعبادته ، وقد تسلقوا السور ولم يدخلوا من الباب ، وحين دخلوا عليه على هذا الحال انقبض ونفر من فعلتهم ، وكأنما ظهرت في وجهه كراهية ما أقدموا عليه ؛ فقالوا لا تتوجس منا شرا فإنا قد تنازعنا في أمر فجئنا لتحكم بيننا بالعدل دون جور ، ولترشدنا إلى الطريق القويم ، وبدأ المظلوم يعرض ظلامته فقال : إن هذا الذي ظلمني أخي في النسب ، أو في الخلطة ، يملك تسعا وتسعين من أنثى الضأن { نعجة } ولا ملك لي أكثر من { نعجة واحدة } فقال : ملكني شاتك ، وغلبني وقهرني بجاهه وبأسه ، وقوة كلامه ، فكأن داوود عليه السلام تعجل فحكم له ، أو قطع تبتله وتلاوته وتسبيحه في وقت كان قد جعله لمناجاة ربه وليس الوقت الذي قد جعله للفصل بين المتنازعين ، ومضى يبين أن الظلم من شيم أكثر النفوس ، خصوصا إذا قرب المال من المنال { والله يعلم المفسد من المصلح . . } .

لكن الذين استيقنوا بالله واستقاموا على طاعته لا يبغون ولا يتظالمون-وقلما يوجدون-وأدرك داوود أن هذا الذي وقع قد كان ابتلاء من الله تعالى له واختبارا ، فسقط خاضعا لله تعالى مستغفرا ، وانحنى معظما ، وسجد خاشعا ، وإلى رضوان ربه راجعا ، فغفر الله تعالى له ما كان منه من خلاف الأولى ، وإن له عند ربه للحسنى ، والدرجات العلى ، والنعيم الأوفى .

يقول صاحب تفسير القرآن العظيم : قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ، ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة ، فالأولى الاقتصار على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل ، فإن القرآن حق ، وما تضمن فهو حق أيضا . . وقال البخاري عند تفسيرها . . { وخر راكعا }- فسجدها داوود عليه السلام ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم . . { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } أي وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها ، وحسن مرجع-وهو الدرجات العالية في الجنة-لتوبته وعدله التام في ملكه كما جاء في الصحيح : ( المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يقسطون في أهليهم وما ولوا )اه .