الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (45)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولكنا أنشأنا قرونا} يعني: خلفنا قرونا، {فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا} يعني: شاهدا {في أهل مدين تتلوا عليهم ءاياتنا} يعني: تشهد مدين، فتقرأ على أهل مكة أمرهم {ولكنا كنا مرسلين} يعني: أرسلناك إلى أهل مكة لتخبرهم بأمر مدين.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"وَلَكِنّا أنْشأنا قُرُون" ولكنا خلقنا أمما فأحدثناها من بعد ذلك "فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ العُمُرُ".

وقوله: "وَما كُنْتَ ثاوِيا فِي أهْلِ مَدْيَنَ "يقول: وما كنت مقيما في أهل مدين... "تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا" يقول: تقرأ عليهم كتابنا،

"وَلَكِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ" يقول: لم تشهد شيئا من ذلك يا محمد، ولكنا كنا نحن نفعل ذلك ونرسل الرسل.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل أن يذكر هذا له امتنانا عليه ليستأدي به شكره، لأنه أوحى إلى موسى، وذكر محمدا وأمته في شرفه حتى تمنى موسى أن يجعله من أمته. يقول، والله أعلم: لم تكن أنت شاهدا في هذه المشاهدة، فذكرتك ثمة وأمتك...

{ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر} هذا ليس بصلة بالأول، ولكن على الابتداء. يقول، والله أعلم: {ولكنا أنشأنا قرونا} بعد انقراض الرسل ودروس أعلامهم وآثارهم، وتطاول العهد والعمر، ثم بعثناك فيهم رسولا لنحيي بك آثارهم، وتظهر فيهم سنتهم وأعلامهم رحمة منا إليهم، وهو ما قال في آخره: {ولكن رحمة من ربك} أي أرسلنا إياك رحمة منا لهم. وهو ما قال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] أو يكون قوله: {ولكن رحمة من ربك} أي ما أنبأك، وأعلمك من أنباء موسى وأخباره حين لم تشهدها من رحمة ربك حين جعلها آية لنبوتك وحجة لرسالتك، والله أعلم.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا} أحدثنا وخلقنا {قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} فنسوا عهد الله سبحانه وتركوا أمره، نظيره {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]،...، {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً} مقيماً {فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} يعني أرسلناك رسولا وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار، فتتلوها عليهم ولولا ذلك لما علمتها ولما أخبرتهم.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{فتطاول عليهم العمر} أي: طالت عليهم المهلة فنسوا عهد الله وميثاقه وتركوا أمره، وذلك أن الله تعالى قد عهد إلى موسى وقومه يهوداً في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: كيف يتصل قوله: {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً} بهذا الكلام؟ ومن أي وجه يكون استدراكاً له؟ قلت: اتصاله به وكونه استدراكاً له، من حيث أن معناه: ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك قرونا كثيرة {فَتَطَاوَلَ} على آخرهم: وهو القرن الذي أنت فيهم {العمر} أي أمد انقطاع الوحي واندرست العلوم، فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وكسبناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى عليهم السلام، كأنه قال: وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحينا إليك. فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة؛ ودلّ به على المسبب على عادة الله عز وجل في اختصاراته؛ فإذاً هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{العمر}: أي أمد انقطاع الوحي... {تتلو عليهم آياتنا}: تقرأ عليهم تعلماً منهم، يريد الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه. ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها... وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: وما كنت من الشاهدين في ذلك الزمان، وكانت بينك وبين موسى قرون تطاولت أعمارهم، وأنت تخبر الآن عن تلك الأحوال أخبار مشاهدة وعيان بإيحائنا، معجزة لك. وقيل: تتلو حال، وقيل: مستأنف، أي أنت الآن تتلو قصة شعيب، ولكنا أرسلناك رسولاً، وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار المنسية تتلوها عليهم، ولولاك ما أخبرتهم بما لم يشاهدوه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وما كنت من أهل ذلك الزمان الحاضرين لذلك الأمر، وامتد عمرك إلى هذا الزمان حتى أخبرت بما كنت حاضره، استدرك ضد ذلك فقال: {ولكنا} أي بما لنا من العظمة {أنشأنا} أي بعد ما أهلكنا أهل ذلك الزمان الذين علموا هذه الأمور بالمشاهدة والإخبار، كلهم {قروناً} أي ما أخرنا أحداً من أهل ذلك الزمان، ولكنا أهلكناهم كلهم وأنشأنا بعدهم أجيالاً كثيرة {فتطاول} بمروره وعلوه {عليهم العمر} جداً بتدرج من الزمان شيئاً فشيئاً فنسيت تلك الأخبار، وحرفت ما بقي منها الرهبان والأحبار، ولا سيما في زمان الفترة، فوجب في حكمتنا إرسالك فأرسلناك لتقوم المحجة، وتقوم بك الحجة، فعلم أن إخبارك بهذا والحال أنك لم تشاهده ولا تعلمته من مخلوق إنما هو عنا وبوحينا...

ولما نفى العلم بذلك بطريق الشهود، نفى سبب العلم بذلك فقال: {وما كنت ثاوياً} أي مقيماً إقامة طويلة مع الملازمة بمدين... {مرسلين} أي لنا صفة القدرة على الإرسال، فأرسلنا إلى كل نبي في وقته ثم أرسلنا إليك في هذا الزمان بأخبارهم وأخبار غيرهم لتنشرها في الناس، واضحة البيان سالمة من الإلباس، لأنا كنا شاهدين لذلك كله، لم يغب عنا شيء منه ولا كان إلا بأمرنا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا تكرير للدليل بمثل آخر مثل ما في قوله {وما كنت بجانب الغربي} [القصص: 44] أي ما كنت مع موسى في وقت التكليم ولا كنت في أهل مدين إذ جاءهم موسى... وضمير {عليهم} عائد إلى المشركين من أهل مكة لا إلى أهل مدْيَن لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتلو آيات الله على المشركين. والمراد بالآيات، الآيات المتضمنة قصة موسى في أهل مدين من قوله {ولما توجه تلقاء مدين} إلى قوله {فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله} [القصص: 22 -29].