الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (45)

قوله : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا } : وجهُ الاستداركِ : أنَّ المعنى وما كنتَ شاهداً لموسى ما جَرَى عليه ، ولكنَّا أَوْحَيْناه إليك . فذكر سببَ الوَحْيِ الذي هو إطالةُ الفترةِ ، ودَلَّ به على المسَبَّب ، على عادةِ الله تعالى في اختصاراته . فإذن هذا الاستداركُ هو شبيهُ بالاستدراكَيْن بعده . قاله الزمخشري بعد كلامٍ طويل .

قوله : { ثَاوِياً } أي : مُقيماً يقال : ثَوَى يَثْوِي ثَواءً وَثَوِّياً ، فهو ثاوٍ ومَثْوِيٌّ . قال ذو الرمة :

لقد كانَ في حَوْلٍ ثَواءٍ ثوَيْتُه *** تَقَضِّي لُباناتٍ ويُسْأَمُ سائِمُ

وقال آخر :

طال الثَّواءُ على رُسومِ المنزلِ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال العجاج :

فباتَ حيث يَدْخُلُ الثَّوِيُّ ***

يعني : الضيفَ المقيم .

قوله : { تَتْلُواْ } يجوز أن يكونَ حالاً مِن الضميرِ في " ثاويا " ، وأَنْ يكونَ خبراً ثانياً ، وأنْ يكونَ هو الخبرَ و " ثاوياً " حالٌ . وجعله الفراء منقطعاً مِمَّا قبلَه أي : مستأنفاً كأنه قيل : وها أنت تَتْلُو على أمَّتِك . وفيه بُعدٌ .