فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (45)

{ وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 45 ) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 46 ) وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 47 ) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ( 48 ) }

{ ولكنا أنشأنا قرونا } أي خلقنا أمما بين زمانك يا محمد صلى الله عليه وسلم وزمان موسى { فتطاول عليهم العمر } أي طالت عليهم المهلة ، وتمادى عليهم الأمد ، وفترت النبوة ، وكانت الأخبار تخفى ، فتغيرت الشرائع والأحكام ، وتنوسيت الأديان ، واندرست العلوم ووقع التحريف في كثير منها . فتركوا أمر الله ونسوا عهده .

فاقتضت الحكمة التشريع الجديد فجئنا بك رسولا ، وأوحينا إليك خبر موسى وغيره ليكون معجزة لك وتذكيرا لقومك ومثله قوله سبحانه { فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } وقد استدل بهذا الكلام على أن الله سبحانه قد عهد إلى موسى عهودا في محمد صلى الله عليه وسلم وفي الإيمان به ، فلنا طال عليهم العمر ، ومضت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود ، وتركوا الوفاء بها .

{ وما كنت ثاويا في أهل مدين } أي مقيما بينهم كما أقام موسى حتى تقرأ على أهل مكة خبرهم ، وتقص عليهم من جهة نفسك يقال : ثوى يثوي ثواء وثويا فهو ثاو ، ومن المعلوم أن واقعة مدين كانت قبل واقعتي الطور ، فمقتضى الترتيب الوقوعي أن تقدم عليهما وإنما وسطت بينهما للتنبيه على كلاّ منهما برهان مستقل على إخباره صلى الله عليه وسلم عن هذه القصص بطريق الوحي الإلهي ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر .

{ تتلوا عليهم } أي : تقرأ على أهل مدين { آياتنا } وتتعلم منهم ، وقيل : تذكرهم بالوعد والوعيد ، وقيل : الضمير لأهل مكة ، والمعنى عليه واضح ، وأكثر المفسرين على الوجه الأول والجملة في محل نصب على الحال ، أو خبر ثان ، ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر وثاويا حال ، وجعلها الفراء مستأنفة ، وكأنه قيل : وها أنت تتلو على أمتك .

{ ولكننا كنا مرسلين } أي أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا عليك هذه الأخبار ، ولولا ذلك ما علمتها . قال الزجاج : المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء ، ولا تليت عليك ، ولكننا أوحينا إليك وقصصنا عليك .