فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (45)

{ وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً } أي خلقنا أمماً بين زمانك يا محمد وزمان موسى { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر } طالت عليهم المهلة وتمادى عليهم الأمد فتغيرت الشرائع والأحكام وتنوسيت الأديان فتركوا أمر الله ، ونسوا عهده ، ومثله قوله سبحانه : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الحديد : 16 ] ، وقد استدلّ بهذا الكلام على أن الله سبحانه قد عهد إلى موسى عهوداً في محمد صلى الله عليه وسلم وفي الإيمان به فلما طال عليهم العمر ، ومضت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود ، وتركوا الوفاء بها { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً في أَهْلِ مَدْيَنَ } أي مقيماً بينهم كما أقام موسى حتى تقرأ على أهل مكة خبرهم وتقصّ عليهم من جهة نفسك . يقال : ثوى يثوي ثواء وثويا فهو ثاوٍ . قال ذو الرمة :

لقد كان في حول ثواء ثويته *** تقضي لبانات ويسأم سائم

وقال العجاج :

* فبات حيث يدخل الثوّى *

يعني : الضيف المقيم .

وقال آخر :

* طال الثواء على رسوم المنزل *

{ تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءاياتنا } أي تقرأ على أهل مدين آياتنا ، وتتعلم منهم ، وقيل : تذكرهم بالوعد والوعيد ، والجملة في محل نصب على الحال أو خبر ثان ، ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر ، و{ ثاوياً } حال . وجعلها الفراء مستأنفة كأنه قيل : وها أنت تتلو على أمتك { وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } أي أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا عليك هذه الأخبار ، ولولا ذلك لما علمتها .

قال الزجاج : المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء ، ولا تليت عليك ، ولكنا أوحيناها إليك وقصصناها عليك .

/خ57