تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (45)

[ الآيتان 45 و46 ] وقوله تعالى : { ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين } أي مقيما { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } يحتمل وجوها :

أحدهما : إنك لم تكن شاهدا هذه المشاهد التي شهدها وموسى حين{[15370]} قضينا إلى موسى الأمر بجانب الغربي ، ولم تكن شاهدا هنالك { وما كنت ثاويا في أهل مدين } حتى تعلم أمر موسى ووحيه{[15371]} { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } موسى{[15372]} ، أي لم تكن شاهدا هذه المشاهدة التي كان موسى شاهدا فيها . ثم أعلمناك بتلك الأنباء والأخبار على ما كنت لتتلوا تلك الأنباء والأخبار على [ أهل ] {[15373]} مكة ، فتكون آية لنبوتك وحجة لرسالتك ، إذ لم تشهدها ، ولا اختلفت إلى أحد ممن يعرفها ، فعلمك ، ثم أنبأت ، ليعرفوا أنك إنما عرفت بالله تعالى .

والثاني : يحتمل أن يذكر هذا له امتنانا عليه ليستأدي به شكره لأنه أنه أوحى إلى موسى ، وذكر محمدا وأمته في شرفه حتى تمنى موسى أن يجعله{[15374]} من أمته . يقول ، والله أعلم : لم تكن أنت شاهدا في هذه المشاهدة ، فذكرتك ثمة وأمتك .

[ والثالث : يحتمل ] {[15375]} أن يذكر هذا له على الاختصاص ليعرف أن أمر الرسل والوحي إليهم على الاختصاص لهم من الله ، لا بأمر كان منهم .

على هذه الوجوه الثلاثة يحتمل أن يخرج تأويل ما ذكره له .

وقال بعض أهل التأويل في قوله : { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } يقول لمحمد : لم تعاين هذا ، ولم تشهده ، وإنما هو شيء ، أنزلناه عليك لتتلوه على أهل مكة .

وقوله تعالى : { ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر } هذا ليس بصلة بالأول ، ولكن على الابتداء . يقول ، والله أعلم : { ولكنا أنشأنا قرونا } بعد انقراض الرسل ودروس أعلامهم وآثارهم ، وتطاول العهد والعمر ، ثم بعثناك فيهم رسولا لنحيي بك{[15376]} آثارهم ، وتظهر فيهم سنتهم وأعلامهم رحمة منا إليهم ، وهو ما قال في آخره : { ولكن رحمة من ربك } أي أرسلنا إياك رحمة منا لهم . وهم ما قال : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] أو يكون قوله : { ولكن رحمة من ربك } أي ما أنبأك ، وأعلمك من أنباء موسى وأخباره حين{[15377]} لم تشهدها من رحمة ربك حين{[15378]} جعلها آية لنبوتك وحجة لرسالتك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك } هذا يحتمل [ وجوها :

أحدهما ] {[15379]} : { لتنذر قوما ما } أنذر به الرسل الذين من قبلك قومهم .

والثاني : { لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون } أي على رجاء التذكر تنذرهم .

[ والثالث ] {[15380]} : يكون ذلك خاصة لمن تذكر إذا كان على الإيجاب .


[15370]:- في الأصل وم: حيث.
[15371]:- في الأصل وم: وحينه.
[15372]:- في الأصل: موسى ونحوه، في م: يا موسى ونحوه.
[15373]:- من م، ساقطة من الأصل.
[15374]:- في الأصل وم: يجعل.
[15375]:- في الأصل وم: أو.
[15376]:- في الأصل وم: به.
[15377]:- في الأصل وم: حيث.
[15378]:- في الأصل وم: حيث.
[15379]:- في الأصل وم: وجهين أحدهما.
[15380]:- في الأصل وم: أو أن.