مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ} (45)

السؤال الرابع : كيف يتصل قوله : { ولكنا أنشأنا قرونا } بهذا الكلام ومن أي وجه يكون استدراكا له ؟ الجواب : معنى الآية : ولكنا أنشأنا بعد عهد موسى عليه السلام إلى عهدك قرونا كثيرة فتطاول عليهم العمر وهو القرن الذي أنت فيه ، فاندرست العلوم فوجب إرسالك إليهم ، فأرسلناك وعرفناك أحوال الأنبياء وأحوال موسى ، فالحاصل كأنه قال وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ، ولكنا أوحيناه إليك فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة الفترة ودل به على المسبب ، فإذن هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده . واعلم أن هذا تنبيه على المعجز كأنه قال إن في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلم من أهله ، دلالة ظاهرة على نبوتك كما قال : { أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } [ طه : 133 ] .

أما قوله : { وما كنت ثاويا في أهل مدين } فالمعنى ما كنت مقيما فيه .

وأما قوله : { تتلو عليهم ءاياتنا } ففيه وجهان : الأول : قال مقاتل : يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم { ولكنا كنا مرسلين } أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار ، ولولا ذلك لما علمتها الثاني : قال الضحاك : يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين تتلو عليهم الكتاب وإنما كان غيرك ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولا ، فأرسلنا إلى أهل مدين شعيبا وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء .