الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قد يعلم الله المعوقين منكم} وذلك أن اليهود أرسلوا إلى المنافقين يوم الخندق، فقالوا: ماذا الذي حملكم أن تقتلوا أنفسكم بأيدي أبي سفيان ومن معه فإنهم إن قدروا هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، إنا نشفق عليكم، إنما أنتم إخواننا، ونحن جيرانكم.

{والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} فأقبل رجلان من المنافقين عبد الله بن أبي، ورجل من أصحابه على المؤمنين يعوقنهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، قالوا: لئن قدروا عليكم هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، ما ترجون من محمد؟ فوالله ما يرفدنا بخير، ولا عنده خير، ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا وما لكم في صحبته خير، هلم ننطلق إلى إخواننا وأصحابنا، يعنون اليهود، فلم يزد قول المنافقين للمؤمنين إلا إيمانا وتسليما واحتسابا.

{ولا يأتون} يعني المنافقين {البأس} يعني القتال {إلا قليلا} يعني بالقليل إلا رياء وسمعة من غير احتساب...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قد يعلم الله الذين يعوّقون الناس منكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصدّونهم عنه، وعن شهود الحرب معه، نفاقا منهم، وتخذيلاً عن الإسلام وأهله، "والقائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمّ إلَيْنا": أي تعالوا إلينا، ودعوا محمدا، فلا تشهدوا معه مشهده، فإنا نخاف عليكم الهلاك بهلاكه. "وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِيلاً "يقول: ولا يشهدون الحرب والقتال إن شهدوا إلاّ تعذيرا، ودفعا عن أنفسهم المؤمنين...

وقوله: "وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاّ قَلِيلاً": أي لا يشهدون القتال، يغيبون عنه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قد يعلم الله المعوّقين منكم} هم المانعون {والقائلين لإخوانهم}... وقال بعضهم: هم المنافقون، عوّق بعضهم بعضا، ومنع عن الخروج مع رسول الله إلى قتال العدو. وفيه أمران:

أحدهما: دلالة على إثبات الرسالة لأنهم كانوا يسرون هذا، ويخفونه في ما بينهم، ثم آخذهم بذلك ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله تعالى.

والثاني: أن يكونوا أبدا على حذر مما يضمرون من الخلاف كقوله: {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة} الآية [التوبة: 64].

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فالتعويق: التثبيط والشغل للقعود عن أمر من الأمور...

"إلا قليلا" أي أن يكلفوا الحضور إلى القتال فلا يحضرون إلا قدر ما يوهمون أنهم معكم، ولا يقاتلون معكم، فهو تعالى عالم بأحوال هؤلاء، لا يخفى عليه شيء منها.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

هم الذين كانوا يمتنعون بأنفسهم عن نصرة النبي عليه السلام، ويمنعون غيرهم ليكون جمعُهم أكثرَ وكيدُهم أخفى، وهم لا يعلمون أنّ الله يُطْلِعُ رسولَه عليه السلام عليهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أخبرهم سبحانه بما علم مما أوقعوه من أسرارهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بوعظهم، حذرهم بدوام علمه لمن يخون منهم، فقال محققاً مقرباً من الماضي ومؤذناً بدوام هذا الوصف له: {قد يعلم} ولعله عبر ب "قد "التي ربما أفهمت في هذه العبارة التقليل، إشارة إلى أنه يكفي من له أدنى عقل في الخوف من سطوة المتهدد احتمال علم.

وعبر بالاسم الأعظم فقال: {الله} إشارة إلى إحاطة الجلال والجمال {المعوقين} أي المثبطين تثبيط تكريه وعقوق، يسرعون فيه إسراع الواقع بغير اختياره.

{منكم} أي أيها الذين أقروا بالإيمان للناس قاطبة عن إتيان حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم {والقائلين لإخوانهم هلم} أي ائتوا وأقبلوا {إلينا} موهمين أن ناحيتهم مما يقام فيه القتال، ويواظب على صالح الأعمال.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} أي: القتال والجهاد بأنفسهم {إِلَّا قَلِيلًا} فهم أشد الناس حرصًا على التخلف، لعدم الداعي لذلك، من الإيمان والصبر، ووجود المقتضى للجبن، من النفاق، وعدم الإيمان.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يستطرد إلى تقرير علم الله بالمعوقين، الذين يقعدون عن الجهاد ويدعون غيرهم إلى القعود، ويقولون لهم: (لا مقام لكم فارجعوا).. ويرسم لهم صورة نفسية مبدعة؛ وهي -على صدقها- تثير الضحك والسخرية من هذا النموذج المكرور في الناس، صورة للجبن والانزواء، والفزع والهلع في ساعة الشدة، والانتفاش وسلاطة اللسان عند الرخاء، والشح على الخير والضن ببذل أي جهد فيه. والجزع والاضطراب عند توهم الخطر من بعيد.. والتعبير القرآني يرسم هذه الصورة في لمسات فنية مبدعة لا سبيل إلى استبدالها أو ترجمتها في غير سياقها المعجز.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

فئة المعوّقين:

أشارت هذه الآيات إلى وضع فئة أخرى من المنافقين الذين اعتزلوا حرب الأحزاب، وكانوا يدعون الآخرين أيضاً إلى اعتزال القتال، فقالت: (قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلا). «المعوّقين» من مادّة (عوق) على زنة (شوق) تعني منع الشيء ومحاولة صرف الآخرين عنه، و «البأس» في الأصل يعني (الشدّة)، والمراد منه هنا الحرب.

ويحتمل أن تكون الآية أعلاه مشيرة إلى فئتين: فئة من المنافقين الذين كانوا بين صفوف المسلمين وتعبير (منكم) شاهد على هذا وكانوا يسعون إلى صرف ضعاف الإيمان من المسلمين عن الحرب، وهؤلاء هم «المعوّقون».

والفئة الأخرى هم (المنافقون أو اليهود) الذين تنحّوا جانباً، وعندما كانوا يلتقون بجنود النّبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يقولون: هلمّ إلينا وتنحّوا عن القتال، وهؤلاء هم الذين أشارت إليهم الجملة الثّانية.

ويحتمل أن تكون هذه الآية بياناً لحالتين مختلفتين لفئة واحدة، وهم الذين يعوّقون الناس عن الحرب عندما يكونون بينهم، وعندما يعتزلونهم يدعون الناس إليهم.