البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

عوّق عن كذا : تثبط عنه .

والقائلين لإخوانهم كانوا ، أي المنافقون ، يثبطون إخوانهم من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقولون : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان ، فخلوهم .

وقيل : هم اليهود ، كانوا يقولون لأهل المدينة : تعالوا إلينا وكونوا معنا .

وقال ابن زيد : انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم الأحزاب ، فوجد شقيقه عنده سويق ونبيذ ، فقال : أنت ها هنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف ؟ فقال : هلم إليه ، فقد أحيط بك وبصاحبك .

والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبداً ، فقال : كذبت والذي يحلف به ، ولأخبرنه بأمرك .

فذهب ليخبره ، فوجد جبريل قد نزل بهذه الآية .

وقال ابن السائب : هي في عبد الله بن أبيّ ، ومعتب بن قشير ، ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة .

فإذا جاءهم المنافق قالوا له : ويحك اجلس ولا تخرج ، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر أن ائتونا فإنا ننتظركم .

وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بداً من إتيانه ، فيأتون ليرى الناس وجوههم ، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة ، فنزلت .

وتقدم الكلام في { هلم } في أواخر الأنعام .

وقال الزمخشري : وهلموا إلينا ، أي قربوا أنفسكم إلينا ، قال : وهو صوت سمي به فعل متعد مثل : احضر واقرب . انتهى .

والذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتاً ، وإنما هو مركب مختلف في أصل تركيبه ؛ فقيل : هو مركب من ها التي للتنبيه ولم ، وهو مذهب البصريين .

وقيل : من هل وأم ، والكلام على ترجيح المختار منهما مذكور في النحو .

وأما قوله : سمي به فعل متعد ، ولذلك قدر { هلم إلينا } : أي قربوا أنفسكم إلينا ؛ والنحويون : أنه متعد ولازم ؛ فالمتعدي كقوله : { قل هلم شهداءكم } أي احضروا شهداءكم ، واللازم كقوله : { هلم إلينا } ، وأقبلوا إلينا .

{ ولا يأتون البأس } : أي القتال ، { إلا قليلاً } .

يخرجون مع المؤمنين ، يوهمونهم أنهم معهم ، ولا نراهم يقاتلون إلا شيئاً قليلاً إذا اضطروا إليه ، كقوله : { ما قاتلوا إلا قليلاً } .

وقلته إما لقصر زمانه ، وإما لقلة عقابه ، وإنه رياء وتلميع لا تحقيق .