فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

{ قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } يقال : عاقه واعتاقه وعوقه إذا صرفه عن الوجه الذي يريده .

{ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } قال الواحدي : قال المفسرون : هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطوا أنصار النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنهم قالوا لهم : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لا لتقمهم أبو سفيان وحزبه ، فخلوهم وتعالوا إلينا ، وقيل : إن القائل لهذه المقالة اليهود ، ومعنى هلم : أقبل وأحضر ، اسم فعل أمر : وأهل الحجاز يسوون فيه بين الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث وعند غيرهم من العرب كبني تميم فعل أمر ، يقولون : هلم للواحد المذكر ، وهلمي للمؤنث ، وهلما للاثنين وهلموا للجماعة ، وقد مر الكلام على هذا في سورة الأنعام ، والمعنى : ارجعوا إلينا واتركوا محمدا فلا تشهدوا معه الحرب فإنا نخاف عليكم الهلاك ، وقيل : تعالوا إلينا لتستريحوا يعني أن يهود المدينة طلبوا المنافقين ليستريحوا ، وخوفوا المؤمنين ليرجعوا ، وهلم هنا لازم ، وفي الأنعام متعد لنصبه مفعوله ، وهو شهداءكم ، بمعنى أحضروهم ، وههنا بمعنى احضروا وتعالوا ، وكلام الزمخشري هنا مؤذن بأنه متعد أيضا ، وحذف مفعوله فإنه قال : هلموا إلينا أي قربوا أنفسكم إلينا .

وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ } أي الحرب والقتال { إِلا } إتيانا { قَلِيلا } خوفا من الموت ويقفون قليلا مقدار ما يرى شهودهم ثم ينصرفون ، وقيل : المعنى لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة من غير اكتساب ، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا .