السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِينَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَآئِلِينَ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَيۡنَاۖ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِيلًا} (18)

ولما أخبرهم تعالى بما علم مما أوقعوه من أسرارهم وأمره صلى الله عليه وسلم بوعظهم ، حذرهم بدوام عمله بمن يخون منهم بقوله تعالى : { قد يعلم الله } الذي له إحاطة الجلال والجمال { المعوقين منكم } أي : المثبطين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المنافقون { والقائلين لإخوانهم } أي : ساكني المدينة { هلم } أي : ائتوا وأقبلوا { إلينا } موهمين أن ناحيتهم مما يقام فيها القتال ويواظب فيها على صالح الأعمال قال قتادة : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يثبطون أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون لإخوانهم ما محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحماً لالتقمهم أبو سفيان وأصحابه ، دعوا الرجل فإنه هالك ، وقال مقاتل : نزلت في المنافقين وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين وقالوا ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه ، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحداً ، فأنا أشفق عليكم ، أنتم إخواننا وجيراننا فهلم إلينا ، فأقبل عبد الله بن أُبيّ وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه وقالوا : ما ترجون من محمد ، ما عنده خير ما هو إلا أن يقتلنا هنا انطلقوا بنا إلى إخواننا يعني اليهود فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيماناً واحتساباً .

تنبيه : هلم اسم صوت سمي به فعل متعد مثل احضر وقرب ، وأهل الحجاز يسوّون فيه بين الواحد والجماعة ، وبلغتهم جاء القرآن العزيز ، وأما بنو تميم فتقول : هلم يا رجل هلما يا رجلان هلموا يا رجال { ولا } أي : والحال أنهم لا { يأتون البأس } أي : الحرب أو مكانها { إلا قليلاً } أي : للرياء والسمعة بقدر ما يراهم المخلصون ، فإذا اشتغلوا بالمعاركة وكفى كل منهم ما إليه تسللوا عنه لواذاً وعاذوا بمن لا ينفعهم من الخلق عياذاً .